المشهد في بيروت الثانية ليس مألوفاً، فمنذ ثلاثين عاماً لم تغب الحملات الانتخابية عن العاصمة. بل بالأحرى، لم يغب «تيار المستقبل» عن الحضور في دائرة وُسمت باسمه طوال العقود الثلاثة الاخيرة. اليوم يغيب اسم التيار عن اللوائح التي باتت تتشكّل، ولكنّ طيفه لم يغب.
في منطقة الطريق الجديدة، معقل التيار، يشتكي أكثر من مرشح أنّ عملية فتح مكاتب انتخابية في المنطقة هي أمر صعب في ظلّ رفض بيئة «المستقبل» لأي نشاط انتخابي فيها. هذا الرفض يتجسّد على شكل إشكالات متنقلة في حال حضور أي مرشح بشكل علني للقاء الناخبين في أحياء المنطقة.
شكوى هؤلاء يصحبها استغراب كبير، أنّ مختلف المرشحين الذين تعرّضوا لحملات رفض وتشويه سمعة هم مرشحون في وجه لائحة «حزب الله»، وليسوا جزءاً منها ولا يدينون بالولاء لها.
هذا الجو يُخرج المتابع بخلاصة، أنّ قيادة «المستقبل» تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى فرض مقاطعة انتخابية في بيروت، وذلك من خلال تصوير أي لائحة أو مرشح بيروتي على أنّه «عدو» التيار والرئيس سعد الحريري شخصياً، رغم أنّ كثيراً منهم داروا سابقاً ويدورون حالياً في فلك حالة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
الدفع نحو المقاطعة، ولو من دون إعلان رسمي، يأتي بالتوازي مع غياب المشاريع البديلة المقنعة سنّياً عن حالة المستقبل. لائحة الرئيس فؤاد السنيورة ورغم أنّها تضمّ منسق بيروت السابق في «تيار المستقبل» بشير عيتاني، اضافةً لمرشح اتحاد العائلات البيروتية ماجد دمشقية، الّا انّها لا تشكّل حالة جارفة لجمهور سنّي انكفأ زعيمه عن المشاركة الانتخابية هذه المرة. رمزية الرئيس السنيورة في المجتمع السياسي والإعلامي لا تتماهى مع واقعه على الارض، حيث أنّ اسمه كداعم للائحة، يكاد يكون عامل نفور لا عامل جذب، خصوصاً أنّ هاجس «المستقبليين» اليوم هو عدم إيجاد زعامة بديلة عن الحريري ريثما ينفرج المشهد أكثر.
لائحة النائب فؤاد المخزومي تعاني سنّياً هي الأخرى. فعلى الرغم من إشباعها بأسماء من أبناء العائلات البيروتية كعيتاني وشبارو، الّا أنّ التدقيق خلفهم يُظهر أنّ عائلاتهم لم تحسم أمرها بالتصويت لأي من اللوائح المفترضة، هذا إن لم تكن قد حسمت خيارها بالمقاطعة. وبحسب المعلومات، فإنّ المخزومي سعى قبل إقفال باب الترشيح لاستقطاب عدد من الأسماء الشبابية البارزة التي دارت في فلك المجتمع المدني، إلّا أنّه لم يُوفّق في ذلك.
لائحة «الثنائي الشيعي» المتحالفة مع «التيار الوطني الحر» والحزب «القومي» والحزب «الديمقراطي» تعاني لجهة إيجاد مرشحين من الطائفة السنّية ممن يوافقون على الترشّح معها. وفي هذا الإطار دخل البحث في الساعات الاخيرة حول أي اسم يوافق على الانضمام الى اللائحة، ولو لم يكن باستطاعته تحصيل أكثر من 100 صوت. معاناة اللائحة مع السنّة عموماً تنطلق من نقطتين أساسيتين:
– قرار قيادة «حزب الله» عدم منح أصوات تفضيلية لأي شخصية معها على اللائحة.
– خوف أي مرشح من ردّة الفعل السنّية تجاهه في حال ترشّح إلى جانب «حزب الله».
على المقلب الآخر، يبدو أنّ هناك ثلاث لوائح نجحت في إيجاد المرشحين السنّة الذين ينسجمون مع شكلها ووضعيتها الانتخابية.
لائحة الأحباش تتصدّر المشهد بقدرتها على إيصال أكثر من مرشح سنّي، وذلك اعتماداً على تراجع نسبة الاقتراع التي ستؤدي الى تراجع الحاصل من جهة، وكذلك وجود بلوك ثابت للأحباش في بيروت الثانية، دفعها لترشيح اربعة مرشحين حزبيين من جهة ثانية. ستسعى «جمعية المشاريع»، إن خدمتها ظروف الحاصل، ان توصل ثلاثة مرشحين من لائحتها، إثنان منهم من السنّة.
الجماعة الإسلامية بدورها، ورغم تفاوضها مع الرئيس فؤاد السنيورة ليكون مرشحها الدكتور عماد الحوت على لائحته، الّا أنّها تسعى الى تشكيل لائحة في بيروت بالتحالف مع رئيس نادي الانصار نبيل بدر. تشير المعطيات بوضوح الى أنّ هذه اللائحة ستؤمّن حاصلًا سنّياً قد يذهب لصالح الحوت إن لم يكن هناك أي مفاجآت.
لائحة المعارضة والتي تُطلق على نفسها لقب لائحة «قوى التغيير»، دخلت مرحلة حسم المقاعد السنّية الستة، والتي بات واضحاً منها اسم وضاح الصادق وحسن سنو ورولا العجوز، مع محاولات لثني المرشح ابراهيم منيمنة عن تشكيل لائحة مستقلة تشتت اصوات الخط المعارض في العاصمة.
هذا التخبّط الواضح بيروتياً وسنّياً، لا يصبّ سوى في مصاف المقاطعة. اللافت في المشهد اليوم، أنّ أكثر من نصف مقاعد بيروت السّنية ستنالها جمعيات دينية، هي المشاريع والجماعة الاسلامية التي ستستفيد من انخفاض الحاصل، اضافةً الى حالة المخزومي المستقرة. المعركة سنّياً هي على المقعدين الخامس والسادس، واللذين تحوّلا بفعل انكفاء الحريري الى مقعدين أقلويين، فهل يخطفهما فائض الأصوات الشيعية في الدائرة.
أداء قيادة «المستقبل» وتصويبها على كل أخصام «حزب الله» السنّة في بيروت يؤشّران إلى ذلك!