من مقرّ إقامته خارج لبنان، تابع الرئيس سعد الحريري وقائع الانتخابات النيابية في لبنان، راصداً أثر انكفائه على مسارها العام، والوسط السنّي خصوصاً.
على رغم عزوفه عن الترشّح الى النيابة والنشاط السياسي، شعر الحريري انّه معني بالاستحقاق الانتخابي وكأنّه منخرط فيه، بعدما فرض عليه بعض الحلفاء السابقين والرموز «المنشقين» عن تيار «المستقبل» خوض معركة قياس الشعبية والزعامة، على قاعدة السؤال الآتي: هل سيقترع السنّة بكثافة في ظلّ غياب الحريري أم ستكون الأرجحية لخيار المقاطعة تعاطفاً معه ودعماً له؟
بعد إقفال صناديق الاقتراع واتضاح نِسَب التصويت في مختلف الدوائر، اعتبر البعض انّ صفحة الحريري طويت رسمياً، وانّ البيئة السنّية تكيّفت مع الأمر الواقع الجديد الذي نشأ عقب انكفائه، وتدبّرت أمرها على طريقتها. بالنسبة إلى أصحاب هذا الرأي، الطبيعة لا تحب الفراغ، وكان من الضروري ملء شغور الحريري وتياره، عبر ديناميات بديلة ترشيحاً واقتراعاً، حتى لا تخلو الساحة للآخرين.
لكن الانطباعات الأولية التي تكوّنت لدى القريبين من الحريري حول نمط السلوك السنّي في الانتخابات، هي مغايرة تماماً للاستنتاجات التي توصل اليها أولئك المقتنعون، بأنّ الطائفة السنّية أثبتت في استحقاق 15 أيار بأنّها خلعت عنها عباءة سعد، وانّها اكبر من ان تحتويها بركة مياه للمقاطعين في منطقة الطريق الجديدة.
ووفق القريبين من الحريري، انتهت الانتخابات الى المؤشرات الآتية على المستوى السنّي:
– مشاركة ضعيفة عكستها معدلات الاقتراع المنخفضة في معظم دوائر الحضور السنّي، قياساً الى أرقام 2018، وذلك على رغم انّ المقاطعة لم تكن منظّمة أو موجّهة، وانّ الاستنفار لحضّ الناخبين السنّة على التصويت وصل إلى حدوده القصوى من خلال مواقف مفتي الجمهورية والمشايخ والسفير السعودي وعدد من الشخصيات السياسية. وهذا التدني في منسوب المشاركة، بعد كل التحفيز الذي حصل، هو دليل واضح في رأي الأوساط المحيطة بالحريري، على «أنّ الرجل لا يزال حاضراً في وجدان شريحة كبيرة من أبناء طائفته التي لم تملك في أغلبها أي حماسة وشهية للاقتراع عقب ابتعاده».
– سقوط الدعاية السياسية التي روّجت أنّ امتناع الحريري عن دعوة مناصريه الى الاقتراع سيسمح لـ«حزب الله» بالاستحواذ على المقاعد السنّية، إذ ذهب أغلب هذه المقاعد الى مرشحي قوى التغيير، ما يثبت، تبعاً لاوساط الحريري، صوابية خياره بالانكفاء، من أجل إفساح المجال أمام ضخ دم جديد في عروق الحياة السياسية، «علماً انّه كان أول من التقط التحوّلات في المزاج اللبناني العام، حين بادر الى الاستقالة من رئاسة الحكومة عقب حراك 17 تشرين، ثم استكمل المراجعة بقرار تعليق العمل السياسي والعزوف عن الترشح الى الانتخابات».
– هزيمة أسماء كانت جزءاً من تيار «المستقبل»، لكنها عندما خرجت منه وعليه لتخوض الاستحقاق الانتخابي، انكشف حجمها الحقيقي، وفق أنصار الحريري الذين يلفتون الى انّه تبيّن انّ معظم أصحاب تلك الأسماء، هم أعجز من ان يفوزوا بمقعد نيابي او ان يصنعوا حالة شعبية، بلا مظلّة سعد ورعايته، «وبالتالي هم خسروا التيار الذي كان رافعة لهم من دون أن يربحوا الانتخابات، في حين انّ هناك شخصيات مستقبلية أخرى حافظت على كرامتها والتزمت قرار الحريري بالانكفاء، مع انّها تملك حيثية وحضوراً»، وفق مقاربة هؤلاء.
ويشير القريبون من الحريري، الى انّ الامتحان الحقيقي يبدأ الآن لاختبار صدقية أصحاب الشعارات الرنانة التي رُفعت خلال الحملات الانتخابية، «إذ ماذا سيفعل الفائزون الجدد على أرض الواقع؟ اي بديل او تغيير سيصنعون؟ كيف سيتعاملون مع الاستحقاقات الآتية، من رئاسة مجلس النواب الى تسمية رئيس مكلّف وتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية وغيرها؟ وهل سيستطيعون تجاوز التوازنات الداخلية؟».
ويشير القريبون من رئيس «المستقبل»، الى انّ التنظير من بعيد سهل، «والمحك يكمن في مواجهة الملفات الشائكة التي تنتظر النواب المنتخبين، وإذا كان هناك من استسهل تحويل الحريري شماعة يعلّق عليها إخفاقات عندما كان في السلطة، فإنّ الوضع تبدّل مع ابتعاده، وعلى كل طرف ان يتحمّل مسؤولياته».