تسود حالة التشظّي الساحة السنيّة على نحو هو الأول من نوعه منذ سيادة اتفاق الطائف. لا زعامة سنية ممثَّلة، أو ممثِّلة، في البرلمان اللبناني، وقد تقع الواقعة في حال دعا رئيس الجمهورية إلى طاولة حوار وطني، لأنّ أي رئيس حكومة سيجلس إلى جانب زعماء الطوائف الأخرى، لا يتمتع بالثقل الشعبي ذاته.
خرج سعد الحريري من المشهدية اللبنانية تحت عنوان تعليق العمل السياسي، وسط واقعتين اثنتين فقط تختصران هذا الانسحاب. الأولى، هي أنّ صاحب العلاقة لم يحدد المهلة الزمنية لانكفائه مع أنّ استخدامه تعبير «تعليق» لوصف حالة خروجه، تعني أنّها محددة في الزمن، لكن التكهنات حول توقيت عودته هي مجرّد تخيّلات لا تمت للواقع بصلة. الثانية، هي أنّ الحريري موجود في الإمارات العربية المتحدة يحاول إعادة تكوين ثروته الشخصية.
أمّا غير ذلك، فيدخل في مجال البازار السياسي المفتوح على مصراعيه، بعدما ضُرب «تيار المستقبل» في صميمه وتحوّل إلى «دكان مفتوح» لكل من يريد أن يستولي على حصّة منه… حتى أنّ محاولات «قدامى المستقبل» الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة، لتأطير تجمعهم النيابي، لا تزال دونها عثرات.
اللافت، أنّ بصمات الحريري خلال الاستحقاق النيابي لم تُرصد إلّا في «جُرمين»: الأول هو التصدي لمشروع فؤاد السنيورة بقيادة تكتل نيابي بعد شروعه في عملية تشجيع السنّة، مع دار الفتوى والمفتي عبد اللطيف دريان، على المشاركة في الاستحقاق النيابي خلافاً لرغبة رئيس «تيار المستقبل»، والثاني هو التحريض على «القوات» للحؤول دون غرف مرشحيهم ولا المرشحين معهم من السنة من معجن «المستقبل» في الدوائر المشتركة. أمّا غير ذلك، فلم يدخل الحريري شريكاً فعلياً في دعم بعض اللوائح أو المرشحين حتى لو كانوا من فئة المرضى عنهم من جانبه.
في الواقع، فإنّ المتغيّرات التي طرأت على الساحة السنية بفعل غياب الحريري، مع العلم أنّ مشاركته في الانتخابات ما كانت لتعيد انتاج نفس التوازن السياسي في البرلمان نتيجة تراجع حضوره في بيئته والذي كان سيُترجم في صناديق الاقتراع… من شأنها أن تحمل الكثير من التداعيات على المشهدية السنية لتنتج واقعاً جديداً قد يأخذ وقته ومداه قبل أن يتبلور بصوره النهائية.
فعلياً، مرّ أكثر من خمسة أشهر على إعلان الحريري قرار اعتكافه، والذي حاول فرضه على كلّ حاملي البطاقة الزرقاء، ولم يخف انزعاجه من اولئك الذين قرروا مخالفة تعليماته، بعد طلبه «من كلّ منتسب أو منتسبة إلى «تيار المستقبل» في حال عدم التزام توجيهات رئيس التيار والعزم على المشاركة في الانتخابات كمرشّحين، توجيه طلب استقالة خطّيّاً إلى «تيار المستقبل» والامتناع عن استخدام اسم التيار أو أحد شعاراته أو رموزه في الحملات الانتخابية، والامتناع عن أيّ ادّعاء بتمثيل التيار أو مشروعه خلال أيّ نشاط انتخابي».
ولكن حتى الآن، لا بوادر جديّة أو رسمية قد تشي بعودة قريبة لرئيس الحكومة السابق إلى بيروت. حتى أنّ محاولات «من تبقى» في «تيار المستقبل» لإعادة تنظيم «التيار»، لا تزال تواجَه بالكثير من الضبابية التي تحيط بتوقيت عقد مؤتمر عام، وبمصير الأوراق التي يتمّ إعدادها لمناقشتها في المؤتمر.
يقول أحد القياديين إنّ المعلومات المتوفرة لديه تفيد بأنّ النيّة لإعداد المؤتمر العام، جديّة، وهذا يعني أنّ الحريري لم «يهجر» العمل السياسي أو الساحة اللبنانية، لا بل يؤكّد أنّ أحد أهداف إعادة ترتيب الوضع الحزبي هو انتاج أطر تنظيمية للعمل الاجتماعي- الخدماتي الذي سيعاود نشاطه وفعاليته في المرحلة المقبلة.
يكشف أنّ ثمة ورشة تعمل بهدوء لإعداد الأوراق السياسية والتنظيمية التي ستناقش خلال المؤتمر، لكنّ توقيت عقده لا يزال مبهماً فيما يفترض أن يشهد المؤتمر مراجعة نقدية شاملة لكل المرحلة المقبلة والاستعداد للمستقبل، ليؤكد أنّ الحريري سيعود لكنه يبقي توقيت هذا القرار ملكه، ولهذا سيكون الشقّ الاجتماعي- الإنمائي- الخدماتي جزءاً أساسياً من ورشة «التيار» في مؤتمره العام للبحث في الأطر المتاحة لتفعيل هذه «الخاصية» ولو بتوجه جديد ونمط جديد، واستعادة التفاعل مع القواعد والمؤيّدين… ولو بعد حين.