«المستقبل»: التسويات لا يمكن أن تكون في مصلحة البلد .. ولا بد من خيارات تجنبه الإنهيار
دفع حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، الوضع الداخلي إلى مزيد من التعقيد، بعد إدانته القيادي في «حزب الله» سليم عياش بجريمة الاغتيال في الرابع عشر من شباط 2005، والتي ذهب ضحيتها إثنان وعشرون شخصاً. وبدا المشهد الداخلي بعد الحكم في حالة ترقب شديد، وتحديداً في ما يتصل بتأليف الحكومة، بانتظار اتضاح مسار الأمور على صعيد التطورات السياسية المتوقعة، في حين تتجه الأنظار إلى موقف «حزب الله» من مطلب المحكمة بتسليم القاتل عياش، والذي يتوقع أن يكون سلبياً بعدما أكد الحزب في مناسبات عديدة، أنه لا يعترف بهذه المحكمة، ولن يسلم أياً من المتهمين . وهذا الأمر بالتأكيد سيزيد الضغوطات على الحزب، ويجعله في موقع المتهم بالجريمة، باعتبار أنه يحمي المدان عياش ولا يريد تسليمه للقضاء الدولي .
ولا يتوقع أن يساعد الوضع المستجد بعد صدور الحكم، في إشاعة أجواء مريحة تسهل عملية تأليف الحكومة، لا بل على العكس من ذلك، فإن المخاوف تكبر من أن يطول أمد تصريف الأعمال من جانب الحكومة المستقيلة، بعدما بدا من خلال ما ظهر من مواقف، أن رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري لا يمكن أن يقبل بترؤس حكومة تضم «حزب الله» الذي يرفض تسليم قاتل والده. وبالتالي فإن الوضع الداخلي ذاهب إلى مرحلة يكتنفها الكثير من الغموض، بالرغم من سعي رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تبريد الأجواء بعد حكم المحكمة، في محاولة لإعادة مد الجسور بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، على أمل أن تسفر هذه المساعي عن نتائج إيجابية تصب في مصلحة تعبيد الطريق أمام ولادة الحكومة، بعدما قالت المحكمة الدولية كلمتها، وأعلن الرئيس الحريري قبوله بحكمها، وهو الأمر الذي أراح الرئيس بري وشجعه على القيام بتحرك من أجل إخراج البلد من مأزقه .
هل تقود مرحلة ما بعد الحكم إلی التخفيف من مُـدّة المأزق باتجاه الإنفراج السياسي؟
والسؤال الذي يطرح، هل يمكن أن تقود مرحلة ما بعد الحكم إلى التخفيف من حدة هذا المأزق، باتجاه انفراج سياسي على صعيد تشكيل الحكومة، أم أن البلد ذاهب إلى كباش جديد بين المكونات السياسية، في مرحلة شديدة الخطورة ستترك تداعياتها على الأوضاع الداخلية برمتها؟
لا تبدو أوساط «تيار المستقبل»، كما تقول لـ«اللواء»، متفائلة بإمكانية خروج لبنان من الظروف الدقيقة التي يمر بها، بعد صدور حكم المحكمة الدولية التي دانت قيادياً في حزب الله بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مشيرة إلى أن «أي تسوية مع الحزب، ستصبح أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن الرئيس سعد الحريري لا يبدو بوارد القبول بترؤس حكومة يكون حزب الله عضواً فيها، لأنه يضع في أولوياته هم لبنان قبل أن يفكر بأي شيئ آخر، وليس هناك من ملف يتقدم على هذا الملف». وتذهب أبعد من ذلك لتقول أن «التسويات لا يمكن أن تكون في مصلحة البلد، الأمر الذي يوجب السير باتجاه خيارات جذرية تخرج لبنان من هذه الأزمة المستعصية التي ما عادت سياسة الترقيع تصلح في ظل هذه المعاناة المستفحلة» .
وتشدد، على أن «عامل الوقت ليس في مصلحة أحد، ولا بد من قيام حكومة قوية تتمتع بصلاحيات واسعة، سواء برئاسة الحريري أو غيره، وبإمكانها أن تعمل على القيام بالإصلاحات المطلوبة والضرورية، لإنقاذ الاقتصاد المتهاوي، وأن تقوم بمهمة إعادة إصلاح علاقات لبنان العربية والدولية، وكذلك الأمر إعادة استعادة الثقة الخارجية بالمؤسسات السياسية والمالية، حتى يكون ذلك دافعاً للدول المانحة أن تساعد لبنان، وتخرجه من هذه الأزمات»، مشيرة إلى أن «المجتمع الدولي لا يمكن أن يقبل بعد اليوم بوجود حكومات لا تنفذ ما هو مطلوب منها من خطوات إصلاحية، وهذا ما يفترض أن تضم الحكومة الجديدة وجوهاً حيادية مستقلة، توحي بالثقة للداخل والخارج وبقدرتها على تنفيذ ما هو مطلوب منها في المرحلة المقبلة، وتحديداً على الصعيدين الاقتصادي والمالي».
وتؤكد الأوساط، أن «حزب الله المتهم سياسياً بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد، لا يمكن أن يتصرف في الداخل، إلا وفقاً للتعليمات الإيرانية. وبما أن إيران في وضع دقيق إقليمياً ودولياً، أكان في العراق أو سوريا، ولم يبقَ لها إلا لبنان تستخدمه كورقة ابتزاز مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبالتالي فإنها ستتمسك أكثر بهذه الورقة في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يدل على أن حزب الله سيتشدد في أكثر من ملف، سيما في ما يتصل بتشكيل الحكومة التي لا يبدو أن ولادتها ستكون قريبة وميسَّرة»، في وقت اعتبرت مصادر نيابية معارضة أنه ومع اشتداد الصراع الإقليمي والدولي على لبنان بعد انفجار المرفأ، لن يساعد على تسهيل تأليف الحكومة، خاصة وأن الرسالة التي حملها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى بيروت، كانت واضحة بأن لا شيئ يحصل في لبنان، إلا بموافقة «حزب الله»، وهذا يؤكد أن الأشهر المقبلة ستشهد اشتداد هذا الصراع، والذي قد يؤخر إلى أجل طويل ولادة الحكومة الجديدة التي قد تنتظر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية .
وتشير الأوساط، إلى أنه وبعد حكم المحكمة الدولية التي جرَّمت القيادي في الحزب، فإن الخناق سيشتد على الأخير أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، في ظل توقعات بفرض المزيد من العقوبات الدولية التي يرجح أن تطال عدداً من مسؤوليه، إلى جانب شخصيات متعاطفة معه، من بينها رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل الذي بدأ يعيش أجواء شموله بهذه العقوبات، ما جعله يطلق مواقف مؤيدة لحزب الله، لضمان استمرار تأييده له في السباق إلى انتخابات رئاسة الجمهورية في الـ2022. وهذا ما أثار موجة من المواقف المعترضة على أداء باسيل داخل تياره وخارجه في الأوساط المسيحية .