Site icon IMLebanon

تخفيف الخسائر وانتظار الفرج

 

 

ما نقوم به في لبنان اليوم هو عمليا هدر الوقت على أمور ثانوية أو أقله نحاول تخفيف كافة الأوجاع القصيرة الأجل بانتظار الفرج الذي يبدأ مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة واعادة الاعتبار لمؤسسات الدول التي أصيبت بتدني ثقة المواطن بها، أي الثقة بالمؤسسات القضائية والادارية وبقدرة الحكومة على ايجاد حلول مقنعة لأبسط المشاكل التي تواجهنا.  لكن تقطيع الوقت أو هدره بانتظار الفرج لا يشكل الحل الأفضل لأوضاعنا بالرغم من وجود منطق لذلك لأن الخسائر ترتفع في كل الميادين وكلما أهملنا ايجاد الحلول الصحيحة الطويلة الأمد كلما أصبنا العهد المقبل في مسيرته وجعلنا مهماته أصعب، وهذا ما لا يريده أحد في لبنان.  ما هي أهم الخسائر التي تواجهنا اليوم والتي ستقف في وجه الاصلاحات التي على العهد الجديد القيام بها لعودة لبنان الى المجتمع الدولي الحديث؟

أولا:  من أولى مهمات العهد المقبل وحكومته عمل كل ما يستطيع لعودة النمو الى كل المناطق أي عمليا تكبير حجم الاقتصاد ومحاربة الفقر.  بعد مؤشرات نمو سلبية مخيفة أي انحدار 26% في 2020 و 10% في 2021، لا بد لنا من أن نأمل بعودة النمو الايجابي بدأ من هذه السنة. هذا من المفترض أن يقودنا مع الوقت الى رفع مؤشرات التنمية التي تأخرنا بها كثيرا بسبب سوء ادارة البلد ليس فقط سياسيا وانما خاصة اجتماعيا وسكانيا ومناطقيا وصحيا وقطاعيا. من أهم المؤشرات التي يتجاهلها السياسيون عن قصد، أو تضيع في بحر المشاكل هي فجوة الأوضاع بين الرجال والنساء.  كل تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها تشير الى أهمية القضاء على فجوة الدخل بين الرجل والمرأة كما الى ضرورة التساوي في الحقوق والواجبات ليس فقط لاحترام المعايير الانسانية ومعايير التطور وانما لأن التساوي بين الجنسين يؤثر بقوة على النمو وهذا ما أثبتته كل الدراسات التي يتم تجاهلها في لبنان.

 

ثانيا: اللبنانيون يخافون اليوم من المستقبل أو بالأحرى قلقون على المستقبل خاصة وأن معظم ما يظهر الى العلن من وقائع وقرارات وتصريحات لا يدعو للتفاؤل.  ما يدعو للعجب وعكس ما يحصل في أكثرية الدول، يقوم السياسيون اللبنانيون في تثبيت أو تقوية هذا الشعور السلبي عند المواطن بتصرفاتهم وتصريحاتهم بدل تطمينه بالمنطق ومحاولة رفع معنوياته للاستمرار.

ثالثا:  في أكثرية الدول التي نرغب بالتشبه بها، يعمل القطاع العام على تسهيل حياة المواطن الشخصية والعائلية والقانونية والاقتصادية، الا في لبنان والقليل من الدول الأخرى حيث يسعى القطاع العام الى جعل حياة المواطن أصعب ومكلفة أكثر ولا من يقيم هذه التصرفات لمحاسبة المقصرين والسيئين.  فالفوارق بين القطاعين العام والخاص كبيرة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات.  هنالك عقلية تسود في لبنان هو أن القطاع الخاص هو تحت امرة القطاع العام بينما العكس يجب أن يكون صحيحا لأن القطاع الخاص يمول القطاع العام ويجب أن يعمل لصالحه مهما كان الثمن ولا يعرقل حياته مسببا هجرة الشباب.  وجود الفساد الكبير في القطاع العام ما زال يشجع بعض المواطنين على العمل فيه بالرغم من أجوره المتدنية نسبيا، وذلك لأن من ضمن هذا الفساد يشعر الموظف بالقوة والسيطرة والقدرة على توجيه حياة الآخرين في غياب أي محاسبة جدية مبنية على الانتاجية والشفافية والفعالية.   ترفع الدولة الأجور وهذا محق للموظف كي يعيش بكرامة، لكن دون أن ينعكس ذلك على نوعية الادارة ورضى المواطن عنها.

 

رابعا:  نوعية الغذاء والصحة وبعد ان كنا «سويسرا الشرق»، من كان يعتقد أننا سنقلق يوما ما على كمية ونوعية الغذاء ليس فقط بسبب ضعف القدرة الشرائية وانما خاصة بسبب ضعف الرقابة أو غيابها في الاستيراد والانتاج والمحتويات الصحية.  أما في الصحة، بالرغم من فهمنا لتدني المؤشرات بسبب التكلفة وهجرة الأفضل وتدني المستوى المعيشي، انما ما يقلقنا اليوم هو غياب أي رؤية لاستعادة بعض ما خسرناه خاصة منذ 2019.  هنالك من يستمر اليوم بتجاهل تأثير الصحة والغذاء على الانتاجية وبالتالي على المؤشرات الاقتصادية الطويلة الأمد.  نحتاج الى رؤية متجانسة متماسكة وليس الى تفاصيل رؤية كما يظهر اليوم الى العلن.

خامسا: عندما تتعثر أمور الناس المادية،  يفترض الجميع أن دور الدولة الاجتماعي سيعوض وهذا ما لا يحصل في لبنان ليس بسبب غياب الموارد المالية وانما بسبب وجود قوى نفوذ تستفيد من الوضع الحالي على حساب صحة المواطن ولا من يحاسب.  لذا يعاني اللبناني ليس فقط من سؤ أوضاعه المباشرة وانما أيضا من غياب أي دور اجتماعي فاعل للقطاع العام وهذا محزن ومدهش.

سادسا:  اشتهر لبنان منذ منتصف القرن الماضي بالاقتصاد الحر الذي يسمح للمواطن العادي بالتقدم ماديا متكلا على نفسه وعلى ما تتوافر له من وسائل مالية واجتماعية.  هذه الحرية مهمة جدا وأفادت لبنان كثيرا يوم كان معظم الدول العربية يطبق الاشتراكية الموجهة.  لكن المشكلة تكمن في أن هذه الحرية أصبحت فوضى وفساد ومن أهم نتائجها الأزمة المصرفية الكبيرة التي نمر بها.  الحرية الاقصادية مهمة ولا يمكن أن نتنازل عنها الا أن ضبط عملها وتنفيذ الرقابة ضمن معايير المحاسبة والشفافية هو ما سنتوجه اليه في العقود المقبلة.

يمكننا أن نقدم مختلف الأعذار لما يحصل اليوم من هدر للوقت وللطاقات البشرية الكبيرة، الا أن المهم جدا أن لا تطول هذه الفترة بحيث تقضي على قدرتنا في التعافي المستقبلي في عالم يعاني من حربين كبيرين وعدة حروب صغيرة في وقت نشعر بوجود تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية الدولية لا نعرف الى أن ستقودنا اقتصاديا على المدى البعيد.