Site icon IMLebanon

«المستقبل» ينقذ «لائحة البيارتة» من «طعن الحلفاء»

لجان القيد: معاناة لا تنتهي إلا بتعديل القانون

«المستقبل» ينقذ «لائحة البيارتة» من «طعن الحلفاء»

في مركز الفرز النهائي في «البيال»، يسهل تفهّم تأخير نتائج الفرز. تلال من المغلفات البيضاء التي وصلت من الأقلام إلى لجان القيد، والمطلوب إحصاؤها يدوياً، كما لو أن الانتخابات تجري منذ عشرين عاماً. قضاة وموظفون وأعضاء بلدية حاليون انكبوا على فرز الأصوات لأكثر من 24 ساعة متواصلة، حتى لم يعودوا يميزون بين الأرقام التي بين أيديهم من شدة الإرهاق.

لكن لأن فرز أقلام الدائرة الأولى انتهى بسرعة، كان من السهل قراءة نتائجها. في ماكينة «المستقبل» التي تتابع عملية الفرز، نوع من الصدمة. يكاد الالتزام المسيحي بلائحة التوافق يكون معدوماً. لكن اللافت أن غياب الالتزام لم يترجم بتشطيب «الخصوم» على سبيل المثال، بل التخلي عن كل اللائحة، بما فيها المرشحون المحسوبون على هذا الفصيل أو ذاك. وحدها الأحزاب الأرمنية، وخاصة حزب «الطاشناق»، أنقذت الموقف المسيحي، فصبت كل أصواتها في اللائحة التوافقية.

الأحزاب المسيحية الثلاثة، أي «التيار الوطني الحر» و «الكتائب» و «القوات اللبنانية» غردت بشكل عام خارج سرب التحالف. أما الأسباب فمعقدة ومتشابكة، أولها يتعلق بغياب الثقة بين مكوناتها، وثانيها عدم حماسة أي من هؤلاء الفرقاء لتكرار تجربة المجلس البلدي السابق، وثالثها أن المنافس لا يشكل أي استفزاز لهم، لا بل أكثر من ذلك وجدوا فيه خياراً قادراً على إحداث التغيير الذي ينشدونه.

كل ذلك يبقى محدوداً بنتائجه، إذا ما قورن بعدم قدرة الأحزاب المسيحية على الحشد، على ما تؤكد نسبة التصويت في الدائرة الأولى، علماً أن الانتخابات بنتائجها الحالية، تثبت أن الحشد الإضافي كان يمكن أن يعمق من أزمة التحالف، ويعزز موقع «بيروت مدينتي»، التي كانت ماكينتها الانتخابية، تراهن على ارتفاع نسب التصويت لفوز اللائحة كاملة.

وإذا كان «المستقبل» قد تمكن من حشد شارعه خلف «لائحة البيارتة»، بالرغم من أن الملاحظات لا تبدو بسيطة، إن كان على أداء المجلس السابق أو على التحالفات التي نسجها «التيار»، فإن الكارثة تظهر جلية عند «الوطني الحر»، الذي تكاد تشكل نتائج بيروت فشلاً مباشراً لرئيسه الوزير جبران باسيل. فقد تبين أن قاعدة «التيار» لا تسير بالتفاهمات الفوقية، ولا تهتم بخيارات القيادة إن لم تكن منسجمة مع خياراتها. أضف إلى ذلك أن المعركة لم تشكل تحدياً فعلياً لـ «التيار»، فلا هي ضد «المستقبل» الذي بنى العونيون أدبياتهم السياسية على مواجهة فساده، ولا هي ضد «القوات» الخصم التاريخي. هي في وجه مجموعة من الشباب غير المستفزين، الذين يعتبرونهم على صورتهم التغييرية. ولأن القيادة في تجربتها البلدية قررت تخطي الأطر القاعدية لـ «التيار»، لا بل استفزازها من خلال ترشيح أحد الراسبين في الانتخابات الحزبية إلى الانتخابات الاختيارية، فقد كان الرد مدوياً. وهو ما تلقفه الرئيس سعد الحريري، الذي قال إن «البعض اختار الترشح في لائحة البيارتة والتصويت لغيرها»، وجعل العماد ميشال عون يقف في موقف الدفاع، متوعداً الذين خالفوا قرار القيادة، ومستخفاً بما أنجزوه «هي انتفاضات صغيرة ولكن أصحابها سيتحملون المسؤولية».

بالنسبة لماكينة «المستقبل»، فإن المفاجأة الأخرى تمثلت في الأقلام الشيعية التي صبت أيضاً أصواتها في سلة «بيروت مدينتي»، فكانت القراءة المستقبلية تشير إلى أن «حزب الله» أعطى أصواته للائحة المنافسة وحركة «أمل» لم تلتزم باللائحة «زي ما هي»، تماماً كما فعل أنصار فؤاد مخزومي في الأقلام السنية، حيث تبين وجود عدد كبير من اللوائح التي تعطي أصواتاً حصرية لهدى الأسطى.

كل ذلك يجري في ظل غياب الأرقام الرسمية، التي تتحمل مسؤولية تأخيرها الفوضى العارمة التي رافقت العملية الانتخابية، من بدايتها إلى نهايتها. فالتجاوزات تضاعفت بحسب «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات». وإذا كانت مكننة عمليات الفرز لا تحتاج سوى إلى تعديل قانوني، فإن العبء كان في النهاية على لجان القيد العليا، التي كان عليها أن تتعامل مع 96 ألف لائحة انتخابية دُونت فيها مروحة من المرشحين الـ93 الذين يتنافسون على 24 مقعداً انتخابياً في بيروت. آلاف الاحتمالات الانتخابية تم الدقيق بها وتدوينها في «بيان الأصوات التي نالها كل مرشح»، فطالت العملية في لجان القيد الخاصة بالدائرة الثالثة، التي شهدت العدد الأكبر من الناخبين (نحو سبعين ألفاً) بالمقارنة مع عشرة آلاف في كل من الدائرة الأولى والثانية. وعلى سبيل المثال، فإن الدائرة الأولى تضم 168 قلماً، فيما المزرعة وحدها تضم 152 قلماً. وهذا الفارق، جعل عملية قيد نتائج أقلام الدائرة الثالثة تطول وتطول، بخلاف الدائرتين الأخريين، اللتين سرعان ما أنجزت نتائجهما.

حتى زيادة عدد لجان القيد لم يكن ممكناً، ربطاً بالقانون الذي يفرض وجود قاض وموظف في دوائر النفوس وعضو بلدي حالي. ويبدو جلياً أن القانون لم يلحظ الحالة البيروتية عندما فرض وجود عضو بلدي. فمع عدم احتساب رئيس البلدية ونائبه، يبقى 22 عضواً بلدياً يفترض أن يشاركوا في 22 لجنة قيد إن كانوا جميعاً حاضرين، فكانت النتيجة أن خصصت 4 لجان للدائرة الأولى و5 للدائرة الثانية، مقابل عشرة للدائرة الثالثة. أي عشر لجان للتعامل مع 70 ألف ورقة انتخاب، بخيارات لا يمكن حصر تنوعها، فكان على البيروتيين أن ينتظروا يوماً إضافياً ليسمعوا النتائج الرسمية، التي ثبتت معادلة جديدة في العاصمة، رسمتها الحماسة الاستثنائية لتجربة «بيروت مدينتي»، والتي سيكون عليها في المرحلة المقبلة أن تبلور خطاباً سياسياً قادراً على استثمار الإنجاز الذي تحقق، وربما تجربة مواطنون ومواطنات في دولة تشكل نموذجاً صالحاً لذلك.