ليس الجدل الحاصل حول حقيقة العلاقة بين رئيس الحكومة وتيار «المستقبل» سعد الحريري ووزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والذي تمثل بالحديث عن اتصال هاتفي أكدا خلاله تمسكهما بالتسوية قبل خروج اعلام «المستقبل» لنفي الموضوع، الا تعبيرا واضحا عن وجود نوع من صراع أجنحة داخل الحزبين بحيث يتمسك الجناح الأول بالتفاهم السياسي بين الطرفين باعتباره مصلحة لهما وللاستقرار العام في البلد، فيما يبدو الثاني مستغنيا عنه معتبرا ان لا مصلحة على الاطلاق بالاستمرار بالدفاع عن فريق لا يشبهه بشيء ما يؤدي لتزايد نقمة المحازبين واستياءهم.
ويحتدم شد الحبال بين هذه الاجنحة داخل كل حزب على حدة. ويبدو أن «الآكشن» في «المستقبل» يتفوق على ما هو حاصل في صفوف «الوطني الحر»، اذ يتفوق الجناح الداعي للطلاق مع العونيين عدديا والذي يمثله الى حد كبير رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والوزير السابق نهاد المشنوق. وليس انضمام وزيرة الداخلية ريا الحسن، المحسوبة على جناح الحريري المتسمك بالتسوية، الى السجال الذي اشتد أخيرا الا تعبيراً واضحاً عن نقمة متعاظمة داخل «المستقبل» لم يعد رئيس الحكومة قادرا على تجاوزها. وبدا لافتا رفع الحسن السقف معتبرة ان «باسيل نجح وبجدارة في ازكاء واثارة المزيد والمزيد من الانقسامات التي لا تحتاج البلاد اليها». وفي هذا الاطار ترجح مصادر مستقبلية ان يعتمد الحريري سياسة «ضربة على الحافر واخرى على المسمار» في التعامل مع باسيل، بعدما تبين له أن لا مصلحة باستمرار التعامل معه على قاعدة «بتمون» لأن رئيس «التيار البرتقالي» قابل ذلك بمنطق «اذا حبيبك عسل الحسو كلو!» وتضيف المصادر: «لكن لا شك ان رئيس الحكومة لن يجازف لا اليوم ولا غدا بالعودة الى ما كانت اليه الامور ما قبل التسوية الرئاسية عام 2016 لاقتناعه بأن اي انجرار وراء العواطف والغرائز سيعيد الانقسام الحاد الذي كان قائما وبالتالي يعيد تعطيل البلد، وهو ما لن يحقق مصلحة لاي من الفرقاء».
وكما في «المستقبل» كذلك في «الوطني الحر» حيث يبدو أيضا الانقسام سيد الموقف، فان كان الموقف العوني العلني العام لا يزال متمسكا بالتسوية، الا ان الجناح الذي لا يمانع انهيارها ولو جزئيا لم يعد يتردد بتعلية السقف عبر مواقف اعلامية بدت لافتة في الآونة الأخيرة. أما باسيل فقد عبّر في اطلالاته الأخيرة بوضوح عن سعيه للحفاظ على التفاهم مع «المستقبل» لكن بالشروط العونية، وتقول مصادر «الوطني الحر» في هذا المجال: «رغم الحملة غير المسبوقة التي تشن عليه والضغوط التي يتعرض له والتي تتخذ أشكالا شتى، الا انه آثر عدم تقديم ايّ تنازلات لأن ما ينادي به ليس الا حقوقا مفقودة يسعى لاسعادتها وقرارا بالسير حتى النهاية بعملية مكافحة الفساد واصلاح الدولة، وهذه عناوين لا يقبل لا الرئيس ميشال عون ولا الوزير باسيل اية مساومة عليها». ونبهت المصادر من «سعي المتضررين من علاقة باسيل ـ الحريري من استخدام الاسلحة الثقيلة في الايام المقبلة لضرب هذه العلاقة في حال فشل الاسلحة الخفيفة والمتوسطة التي استخدموها في الاسابيع القليلة الماضية بتحقيق هدفهم». واضافت: «عملوا دون تردد على توجيه اتهامات طائفية للوزير باسيل والباسه لباس المدافع عن الحقوق المسيحية حصرا واضعين اياه في مواجهة جديد مع الشارع السني، بعدما حاولوا مرارا خلق فتنة بينه وبين الشارع الشيعي، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل لأنها لم يكن يوما مبنية على حقائق ووقائع».
وبدا لافتا ما عبّر عنه أخيرا النائب في «لبنان القوي» سليم عون بقوله «من حظنا ومن حظ الوزير جبران باسيل أيضاً وأيضاً، أن أغلبية أخصامنا وأخصامه هم من الأغبياء، أو من الحاقدين معميّي القلوب، أو من الطائفيين المتعصبين، أو من الفاشلين الذين يبحثون لـ«رؤوسهم» عن مطرح».
واذا كان البعض يقرأ في السجال العوني ـ المستقبلي المستمر وان بوتيرة أخف فيضا للكوب وللقلوب بين الطرفين، يرى البعض الآخر أن لب المشكلة هو ملف التعيينات الذي ما أن يتم الاتفاق عليه بينهما حتى تعود المياه الى مجاريها، من منطلق أن ما يحصل يندرج باطار التكتيكات التي تتطلبها اللعبة السياسية، أما التفاهمات الاستراتيجية فلا تزال بمنأى وبعيدا عن ايدي وعيون الحساد والمتضررين.