فريقان سياسيان خرجا منهكَين من تطورات الأيام الأخيرة، لا سيما تظاهراتها السلمية والعنفية: “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”. يتوجب إضافة “قوى 14 آذار” ككل ما دام جزء واسع من رأي عام ساهم في صنعها خرج في تظاهرة تنادي بالخروج على الاصطفافات، معلناً يأسه من سياسات استمرت عشر سنوات ولم تستطع الخروج من المراوحة القاتلة لحركة شعبية قدرها كأي حركة مشابهة أن تتجدد أو تموت.
قبل هذه الفورة الغاضبة التي نجح منظموها في توجيهها نحو “المستقبل” باعتباره مشاركاً في السلطة، والتي تخفي وتعلن موقفاً سلبياً جذرياً إن لم يكن أكثر، من “الحريرية السياسية والإقتصادية”، من الرئيس الشهيد والرئيس الابن على السواء، كان التيار ولا يزال يعاني أكبر أزمة منذ نشأته يكثر اللغط في شأنها في كل المجالس السياسية وتتعدد التحليلات لأسبابها، وتنعكس على أدائه في الحكومة وخارجها كما في حضوره وحركته الشعبية في شكل ملحوظ. وهكذا عكست تظاهرة السبت الماضي الحاشدة بنوعية المشاركين فيها خللاً ما في وضع “المستقبل” شعبياً.
أما “التيار الوطني الحر” فتلاحقت النقط السلبية في أدائه السياسي منذ التظاهرة الاولى التي دعا إليها وشارك فيها عدد ضئيل من أنصاره في ساحة رياض الصلح، وتلتها تظاهرة ثانية أصرّ المسؤولون في “التيار” على أن تكون حاشدة في ساحة الشهداء وجمعت مشاركين أقل من المتوقع بكثير. لم يكن ينقص “التيار العوني” الذي تعب جمهوره من معالجة تهمة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لدافع شخصي عند زعيمه، سوى خضة داخلية، أو حركة تململ أقله، عقب تزكية رئاسة الوزير جبران باسيل له. ولم يطق النائب العماد ميشال عون مشهد التعرض له ولتياره في التظاهرة والإعلام، فبادر إلى مهاجمة التظاهرة والداعين إليها والدعوة إلى تظاهرة خاصة بتياره، بدل أن يحتضن التحرك الشعبي ويفيد من رفع هذا التحرك شعارات سبق أن رفعها عون نفسه، مما يصوّره في خانة المعزول عن الشارع خصوصاً إذا لم تكن تظاهرة الجمعة المقبل بحجم يمكن مقارنته بتظاهرة “طلعت ريحتكم”.
لكن أكثر من تضرر “قوى 14 آذار” من خلال مشاركة وجوه وشخصيات وتجمعات مما يعتبر “مجتمعها المدني” في تظاهرة الرفض التي نددت وأدانت الطبقة السياسية بكاملها وأعلنت “أجندة سياسية” – إلى جانب المطالب الحياتية المتعلقة بالنفايات وغيرها- غير أجندة قوى 14 آذار، ويمكن القول إنها تخالف الطائف والدستور وتلامس الثورة على كل الحكام والسلطة التي تشكل 14 آذار جزءاً منها.
تحصد أحزاب وقيادات في تحالف قوى 14 آذار بذلك ما زرعت منذ الـ2011، سنة المطالبة بإنشاء “المجلس الوطني” للتفاعل بين الأحزاب والرأي العام والشخصيات المستقلة والمفكرين والكتّاب وقادة الرأي. عندما تشكّل بعد أربع سنوات وطول أخذ ورد وشروط متنوعة، اقتصر المجلس على مستقلين، شارك بعضهم وقاطع بعضهم وجمع بينهم اليأس.