يصعب على أي نائب مستقبلي، في ظل الأوضاع المالية الصعبة للتيار هذه الأيام، استضافة بعض ناخبيه إلى طاولة غداء أو عشاء. لذلك، يمّم غالبية النواب الزرق وجوههم صوب المغتربات. هناك، موائد عامرة ومنابر منصوبة وتغطية إعلامية… على حساب المغتربين
كل ما يشيعه تيار المستقبل عن حماسته لمقارعة التكفيريين وتكريس أحادية الاعتدال في مناطق نفوذه لا يزال، عملياً، مجرد شعارات. فبدل انتقال الحريريين على نحو عاجل من الشاشات إلى مناطقهم، لإخماد النيران المختلفة التي أحرقت أصابعهم، ينشغل هؤلاء بإقناع المغتربين، قبل المقيمين، بأهمية الاعتدال: منسق تيار المستقبل أحمد الحريري يتنقل بين المدن الأوسترالية، والنائب محمد الحجار بين المدن الكندية. الوزير أشرف ريفي طار إلى بلجيكا بعد اطمئنانه إلى إطلاق سراح بلال دقماق، وإحباطه مخطط اغتيال الوزير ميشال سماحة. أكد ريفي أن «جهازاً استخباراتياً» سرّب إليه المعلومات الخطيرة، لا إلى وزارة الداخلية كما تقتضي الأصول، لثقته به أولاً، ولأن له الفضل في إيقاف سماحة ثانياً.
أما النائب أحمد فتفت، ففي هولندا ينقل «تحيات الرئيس الحريري إلى محبيه». فيما النواب خالد زهرمان ونقولا غصن وكاظم الخير وقاسم عبد العزيز وسيرج طورسركيسيان وسيبوح قالبكيان وجان أوغسبيان وفريد مكاري وبدر ونوس آثروا الالتحاق بزميلهم النائب عقاب صقر من حيث الاختفاء الكامل.
فعلياً، يشرح أحد نواب المستقبل، يقوم هؤلاء اليوم بما تسمح ظروفهم به المالية: اجتهاد إعلامي لإقناع الجمهور بمبدأ الحوار مع حزب الله، رغم استمراره بالقتال في سوريا، في موازاة بذل كل جهد ممكن لتخفيف التوتر، من تأكيد رفع الغطاء عن المجموعات المسلحة إلى معالجة ملف رومية ودعم انتشار الجيش في عرسال وجرودها، إضافة إلى إقالة النائب خالد ضاهر وتكثيف التنسيق مع دار الفتوى لتغليب منطق الاعتدال على المنابر الدينية. أما الحركة الميدانية، فدونها صعوبات مالية في هذه المرحلة: لا قدرة مستقبلية اليوم على توفير فرص عمل للشباب العاطلين من العمل الذين تتصيدهم المجموعات التكفيرية. ولا قدرة على توفير مساعدات جدية استشفائية وتربوية واجتماعية. ولا قدرة على إعادة فتح جميع مكاتب المستقبل ومراكزه ولمّ شمل الماكينة وتزييت فرق العمل المختلفة وإفساح المجال أمام النواب للعب الأدوار المناطقية المطلوبة.
التدقيق في حركة المستقبل، بعيداً عن إجازات النواب المتواصلة، يوحي بتقليد الحريري في الاحتفال المقبل لقوى 14 آذار الممثل جاكي شان بعدما قلد أوباما في خلع الجاكيت في احتفال سابق. فالأنشطة الرئيسية للحزب الأزرق راوحت في الشهرين الماضيين بين تنظيم مباريات في المصارعة الحرة وبطولة كاراتيه و»تكريم أبطال التاي بوكسينغ».
وتلعب مدينة صيدا دوراً مركزياً في تنظيم أنشطة المستقبل الرياضية التي شملت أيضاً بطولتي «ستريت بول» و»ميني فتبول» تبارت فيها منسقيات مستقبلية من مختلف المناطق. ووعد المفوض العام لكشافة «لبنان المستقبل» جلال كبريت باستحداث فرقة مستقبلية جديدة تعرف بـ»أسود الجبال» بعدما خيّم 47 «أسداً» و»لبوة» ليلة في منطقة شبروح (قضاء كسروان). وكانت منسقية صيدا قد لحقت بركب بقية الأحزاب بعد تأخر عشر سنوات، مطلقة أكاديمية سياسية، فيما لم يتجاوز عدد الحضور الأربعين في ندوة دعا المستقبل جمهوره إليها للتثقف حول «السياسة الشيعية العابرة للأوطان» على يد الباحث سعود المولى. وقد أحبط الأخير الحاضرين كثيراً حين صارحهم بأن لليمن خصوصية لا يجوز خلطها مع الخصوصية اللبنانية، ووضع جماعة الحوثي يختلف عن الوضع الشيعي في لبنان. كذلك كانت لنواب المستقبل ومسؤوليه في عكار حصتهم أيضاً في التثقيف السياسي حين زارهم النائب جمال الجراح محاضراً حول حرص رفيق الحريري على «إيلاء المناطق المحرومة اهتماماً زائداً واعتماد خطة إنمائية – إعمارية متكاملة». أما الأبرز على صعيد الأنشطة التثقيفية فهو تنظيم المستقبل مسابقة «أفضل قصيدة عن رفيق الحريري»، وكان في حسابات المدّاحين أنهم سيحظون بصناديق تفيض ذهباً على غرار الهدايا السعودية لشعراء البلاط أو منحة تعليمية، إلا أن الجائزة الأولى كانت مجرد هاتف خلوي.
الأهم، يقول نائب مستقبلي، يكمن في ضبط المستقبل إيقاع نوابه ووزرائه بعدما ظهر في مظهر الحزب المشتت في السنوات القليلة الماضية. ويشير النائب إلى أهمية النظر إلى مجمل حركة الوزير ريفي، لا بعض جوانبها فقط: هو سهّل تطبيق الخطة الأمنية في الشمال، ولا يعرقل شيئاً في مجلس الوزراء، ولم تسجل عليه آية مآخذ فئوية في وزارة العدل؛ أما خطابه السياسيّ فيرتكز على انتقاء عبارات محددة من الخطاب المستقبلي الحالي. بدوره، لم يسعَ الرئيس فؤاد السنيورة للعب أي دور معرقل: لم يطلب ربط حوار الحريريّ بالتيار الوطني الحر وحزب الله بموافقتهما على حسابات حكوماته مثلاً. الوزراء والنواب المحسوبون عليه، يتقدمهم الوزير نبيل دو فريج والنائب أحمد فتفت، يتحدثون بإيجابية مطلقة عن الحوار «لإحباط محاولات البعض لجرّ لبنان إلى حرب داخلية تخدم إيران والنظام السوري». ومن يدقق في تصريحات السنيورة منذ بضعة أسابيع يلاحظ انشغاله هذه الأيام بإدانة ارتكابات داعش عن كل شيء آخر: مرة يحذر من «الويلات التي ستجلبها ارتكابات هؤلاء المجرمين»، ومرات يدعو إلى «تضافر الجهود لاستئصال هؤلاء المجرمين، الذين يتماثلون في إجرامهم مع الصهاينة، من جذورهم».
في النتيجة، يكتفي تيار المستقبل في هذه المرحلة بتأمين مقومات التهدئة على المستويين الإعلامي والأمني، مؤجلاً عودته إلى الأرض التي انسحب منها قبل أكثر من ثلاث سنوات، ريثما يعالج أزمته المالية، في ظل ملاحظة الرئيس سعد الحريري وبعض المحيطين به الثراء غير الطبيعي الذي يتنعم به بعض المحسوبين عليه، رافضين المسّ بثرواتهم الجديدة لتعزيز أوضاع التيار في المناطق. وهو ما يدفعه إلى التدقيق، على الطريقة الجنبلاطية، بمصادر دخل هؤلاء، متطلعاً إلى خطوات تربحه شعبياً وتريحه سياسياً من عدة ثقّالات.