يبحث الرئيس سعد الحريري عن أي وسيلة تعيد إليه ما خسره تيار المستقبل. استعان في الأيام الماضية بخطابات تصعيدية افتقدها شارعه منذ زمن، لكنها، في رأي كثيرين من مسؤولي تياره، لن تنفع إلا في حال قيامه بخطوات عملية ليس أقلها فض الحوار مع حزب الله، والتراجع عن دعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة. هذا وغيره من الطروحات كانت مدار نقاش داخل أروقة التيار أخيراً، وزادت الحماسة لها بعد تفجير أمس
أياً كانت العناوين التي أعادت الرئيس سعد الحريري إلى لبنان قبل أشهر، فقد جُمّدت اليوم تحت سقف ترميم الهيكل التنظيمي لتيار المستقبل وإعادة الاعتبار إليه.
وإذا كانت المواقف التي يطلقها في الافطارات الرمضانية تلبّي عطش جمهوره إلى التصعيد، إلا أنها «من الناحية العملية لن تقدّم أو تؤخر، إلا في حال اقترنت بخطوات تمكّن الرجل من استعادة ما خسره شعبياً، حتى ولو اضطره ذلك إلى تعليق الحوار مع حزب الله وسحب مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية من السباق الرئاسي»، على حدّ قول مسؤولين مستقبليين.
وحتى ليل أمس، كان النقاش في أروقة تيار المستقبل في شأن هذه الخطوات مسار بحث، سرعان ما نال زخماً إضافياً بعد التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر.
لم ينتظر المستقبليون التحقيقات، وبدأ بعضهم برمي التهم على حزب الله «الذي باشر تنفيذ تهديده ضد المصارف»!
قبل التفجير كان الحديث عن أن «اعتدال» الحريري وانفتاحه أدّيا إلى تفاقم الأزمات داخل الشارع المستقبلي، وهي مرشّحة لمزيد من التفاقم في حال لم يُسعف نفسه ببعض الخيارات «الجريئة» التي بدأت مجموعة من المستقبليين بالترويج لها في جلساتهم معه. أما بعده، فقد بات هؤلاء على اقتناع بأن أولى المهمات الملحة تكمن في «التخلّي عن مبدأ تحييد الملفات الخارجية عن الملفات الداخلية، والذي دفع بتيار المستقبل إلى صرف النظر مؤقتاً عن سلاح حزب الله وقتاله في سوريا، والوقوف إلى حدّ ما على الحياد في الحرب بينه وبين المملكة العربية السعودية»، وأكثر من ذلك «ذهابه في اتجاه تسويات مذلّة كلّلها بدعم ترشيح أحد أبرز شخصيات فريق الثامن من آذار لرئاسة الجمهورية». بالنسبة إلى المستقبليين أنفسهم، يبدو الأمر منطقياً ما دامت تجربة «الاعتدال» ومدّ اليد الى الفريق الآخر باءت بالفشل، وقد آن الأوان لكي يعمل الحريري ما يراه في مصلحته، وما دام الحزب قد «تجاوز الخطوط الحمراء».
لم يفهم المستقبليون سابقاً الاستراتيجية التي اتّبعها الحريري، لا سيما أنها زرعت بذور الخصومة مع شارعه. لكنهم أبقوا مواقفهم المعترضة سراً، باستثناء قلّة قليلة خرجت عن السكّة. غير أنهم اليوم بدأوا بتظهيرها، ولا يبدو أحد منهم قابلاً للمهادنة، مطالبين بالتسريع في هذه الخطوات. فهل يستمع «الزعيم» إلى «الزنّانين» في تياره وينكث بعهده للوزير فرنجية ويفضّ حواره مع الحزب؟
لم يعتَد المستقبليون أن يكون لهم حق فرض الخيارات على الحريري. وهو نفسه ليس معتاداً أن يمتثل لهواجس تياره.
مسؤولون مستقبليون: حزب الله باشر تنفيذ تهديده
ضدّ المصارف!
اليوم اختلطت كلّ الأوراق. يبدو المستقبليون متصالحين مع أنفسهم، ويريدون لزعيمهم أن يكون كذلك، خصوصاً أن «الحوار مع الحزب لم يأتِ بأي فائدة»، كذلك فإن «التداول باسم فرنجية في إطار التسوية التي زكّاها الرئيس الحريري لم يتلقفه الفريق الخصم كما يجب، ومن الطبيعي أن نتخلّى عن فرنجية ما دام أصحاب البيت تخلّوا عن ابنهم». يبقى السؤال المطروح اليوم: «من سيسبق من إلى نعي مبادرة ترشيح فرنجية. الحريري أم فرنجية نفسه»؟
يتمنّى المستقبليون أن «لا يمتلك نائب زغرتا هذه الجرأة، لأنه بذلك سيفقد التيار ورقة قوية يستخدمها داخل شارعه»، ولا سيما أن انسحابه «سيظهر التيار مجدداً بصورة المنكسر. وسيعلو الصوت ضدنا بأننا رشحنا خصماً تخلّى عنا، في وقت تخلينا عن حلفائنا من أجله».
لكن ما الذي قد يدفع سليمان فرنجية الى الانسحاب، ولا سيما أن أحداً لم ينجح في حثّه على ذلك؟ بحسب مصادر بارزة في التيار «سيكون فرنجية أمام مفترق طريق، لأنه في المرحلة المقبلة سيواجه خطاباً تصعيدياً للمستقبل غير مسبوق. وهو الذي كان قد قبل بدعم الرئيس الحريري لترشيحه على أساس تحييد الخلافات الخارجية وربط النزاع مع حزب الله. ومن الطبيعي أن لا يستطيع مواكبة الرئيس الحريري في خطابه». وتساءلت المصادر عمّا إذا كان فرنجية «يتحمّل كلام الحريري عن الرئيس بشار الأسد، ووصفه إياه بالمجرم والإرهابي»، مشيرة إلى أن «الخطاب ضد الحزب في المرحلة المقبلة لن يكون أقل حدّة، وخصوصاً أن مرحلة جديدة بدأت أمس بعنوان واضح وصريح: حزب الله يستبيح بيروت».
بحسب المصادر، لم يقل الرئيس الحريري كلمته. يلتزم الصمت حتى الساعة بشأن ما هو مطلوب منه مستقبلياً. الأكيد، على ما يقول عارفوه، أنه «لن يمضي متجاهلاً الجرح النازف في المستقبل. هو اليوم أمام محكمة الشارع. ولا بد من التذكير بأن لصبر هذا الشارع حدوداً، لن يضبطه سوى إصلاح كل ما مارسه المعتدلون وأصحاب الخيار المنفتح». لكنه يستمع أيضاً إلى من يقولون له بضرورة الاستمرار في خيار الحوار والتهدئة ما أمكن، «وهو أقرب إلى هذا الخيار»، بحسب بعض المقرّبين منه.
اليوم سيعقد المكتب السياسي لتيار المستقبل اجتماعاً كان مقرراً مسبقاً، على جدول أعماله «نقاش المجرى السياسي للأمور منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري حتى اليوم، والوضع التنظيمي للتيار، ووضع نقاط الإعداد للانتخابات الداخلية». بحسب أحد أعضاء المكتب، «ليس على جدول الأعمال ما هو خارج عن هذا السياق، لكن من الطبيعي أن يطرح ما حصل أمس على طاولة المكتب السياسي»، مؤكداً أن «ليس كل من في التيار موافقاً على الخيارات التي يجري التداول بها، علماً بأن الجميع مقتنع بأن لا جدوى من الحوار مع حزب الله».