منذ خطاب التاسع من محرّم الذي ألقاه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وإعلانه الاستعداد للحوار مع تيار «المستقبل»، لم يطرأ أيّ جديد على هذا الصعيد، وبقيت الأمور في سياقها الاعلامي.
بدأت القصة مع استجابة «حزب الله» لنصائح ومساعٍ تقدّم بها الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط، صبَّت في مجملها في باب النصيحة المتمثلة بضرورة الحوار بين الحزب و»المستقبل»، لما لذلك من انعكاسات ايجابية على امن البلد واستقراره.
وقد تقاطعت هذه النصائح مع اقتناع دائم عند الحزب بضرورة الوصل والتعامل البنّاء والحوار مع كلّ المكوّنات اللبنانية، وفي طليعتها «المستقبل»، لكنّ النيات الحسنة غير كافية على ما يبدو لإقناع «المستقبل» بنجاعة الحوار والتواصل المنتج مع «حزب الله».
ثمّة رأي يتبلور داخل قوى «8 آذار»، يجزم يوماً بعد يوم بأنّ تيار «المستقبل» غير جاهز الآن للشروع في أيّ حديث سياسي جدي مع «حزب الله».
تأليف حكومة «ربط النزاع» ليس كافياً من وجهة نظر الفريق الآخر لطرح التواصل الجدي والمثمر والذي ينعكس استقراراً على لبنان. غالبية الظروف الاقليمية والدولية لا تصب في مصلحة هذا الفريق والمحور الذي ينتمي اليه، وبالتالي يجد نفسه مُحرَجاً في تبرير هذا التراجع ووضعه تحت سقف حوار داخلي بموازين قوى متفاوتة.
الاشتباك الاقليمي لا يسمح لهذا الفريق بالتحرّر من الاثقال والرغبات الحليفة، ويمنعه ضمناً من اعطاء شرعية للامر الواقع القائم تحت عناوين ومسميات توفيقية وتصالحية منها فكرة الحوار الثنائي مع «حزب الله» او الجماعي مع قوى «8 آذار».
إعلان الرئيس سعد الحريري وبعض قيادات «المستقبل» عن الرغبة بالتحاور مع «حزب الله»، يندرج في ملف رئاسة الجمهورية، حيث يظنّ هذا الفريق أنّ أيّ رئيس توافقي سيكون حكماً الى جانبه، ويستدل على ذلك بمواقف الرئيس السابق ميشال سليمان عندما تحرّر من «الثقل السوري».
وقد يكون هذا الاعلان نوعاً من المناورات التي تهدف الى إرضاء بكركي والشارع المسيحي المنزعج من عدم وجود رئيس للجمهورية.
في المقابل، بادر «حزب الله» الى الموافقة على الحوار، مع ربط واضح بينه وبين التفاهم مع العماد ميشال عون على ملف الرئاسة. بدأ السيد
نصرالله خطابه بطرح اسم العماد عون، وأكمل موافقاً على مبدأ الحوار، ما يعني أنه أراد القول مسبقاً إنّ أيّ حوار لا يعني التخلي عن مرشح قوى «8 آذار» أو إبعاده من التأثير. وفي هذا المعنى كان «حزب الله» يقول ضمناً: «لا تحالف رباعياً» جديداً على حساب الجنرال.
شخصيات في تيار «المستقبل» ترفض علناً الحوار مع «حزب الله»، وتقول في اجتماعات حزبية إنّ أّيّ تواصل سياسي مع الحزب في ظلّ وجوده
في سوريا، وامتلاكه السلاح وعدم استكمال البحث فيه ضمن «الاستراتيجية الدفاعية»، هو «هزيمة» سياسية جديدة واعتراف بأمر واقع يرغب الحزب بتكريسه والقفز عنه. ولذلك تخفت الحماسة عند هؤلاء حيال «المبدأ» ويتركون للحريري تقدير الموقف مع علمهم أنّ هذا القرار موجود في الرياض، وليس في جدة حيث يقيم رئيس الحكومة السابق.
والحال هذه، تبدو الامور غير ناضجة الآن للخوض في حوار فعال في ظلّ السقوف العالية التي ترفعها الاطراف، وعدم نضوج الظرف الاقليمي الذي يسمح بتواصل منتج، وعدا ذلك من جهود إنما تقع في باب التحضير محلياً لنقلة اقليمية متوقعة خلال شهرين، قد تغيّر المشهد وتدفع بالملفات العالقة في الاقليم الى الواجهة، ومن هذه الملفات رئاسة الجمهورية اللبنانية.