مع تنفّس اللبنانيين الصعداء لدى بروز بوادر إيجابية إثر موافقة الأقطاب السياسيين على السلّة المتكاملة للتسوية، خاصة الترقيات العسكرية.. سرعان ما تراجع منسوب التفاؤل.
يحاول المستقبليون رمي كرة الأزمة من ملعبهم، باتجاه ملعب «الفريق المعطّل على الدوام للحل». وبينما تمثّل هذا الفريق دوماً بالنسبة الى المستقبليين في «حزب الله»، يبدو أن أسهم اللوم تتوجّه اليوم، في مسألة رفض الترقيات، الى العماد ميشال عون.
يردّد مستقبليون في مجلس خاص أن عون كان قد أعطى موافقته على تلك التسوية قبل فترة، لكنه، في رفضه الجديد لها، يرغب في رفع سقف التطلعات الى أبعد من الترقيات، لا بل أبعد من قيادة الجيش التي يريدها للعميد شامل روكز. هو يبني على التطورات الإقليمية، للمراهنة على رئاسة الجمهورية، مدعوماً بأحداث سورية جديدة ستغيّر وجه المنطقة من وجهة نظره، وأولها التدخل الروسي المستجدّ والهام.
أزمة ثقة مع عون
«عون لا يشبع، ومع الدخول الروسي على خط الأزمة، سيلجأ الى المزيد من التشدد ورفع سقف التحدي، وهو ما يشير الى أن التسوية في لبنان لا تزال بعيدة جداً». ويتوقع هؤلاء ان لا يقف عون عند حاجز الحوار الذي قد يلجأ الى مقاطعته في ظل علاقته المهزوزة مع الرئيس نبيه بري، بل إنه سيلجأ الى التصعيد على الأرض، بينما يشدّد «حزب الله» دعمه له.. من دون التورط معه في تصعيده. لكن هذا التصعيد يبدو مضرّاً بقوى أساسية في «8 آذار»، كما يقول هؤلاء، إذ ان تشكيل مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي سيكون من مصلحة تلك القوى التي ستكون عندها ممثلة في هذا المجلس ومشاركة في قراره، في الوقت الذي يشتكي فيه البعض من «الانحياز السياسي» لقوى الأمن وفرع المعلومات.
والحقيقة أن اصطدام التسوية بالحائط العوني، كما يقول بعض المستقبليين، ليس سوى تأكيد لرأي الذين رفضوا من البداية التسوية مع عون، اذ ان «الجنرال» سيطالب بالمزيد عندما يحين القطاف، ليضيف أي تعثر في التسوية مصداقية على ما يذهب به بعض المزايدين في التيار الذين يؤكدون أن لا مجال للتسوية مع الفريق الآخر، والذين يدعون رئيس الحكومة تمام سلام الى ممارسة صلاحياته الدستورية في مجلس الوزراء سواء في تقرير جدول الاعمال أو في التصويت الحكومي، وبالتوافق او التصويت بالأكثرية أو بالثلثين.. ورفض «بدعة» الفيتو للوزراء.
إنها أزمة ثقة اذاً مع عون، لكن الحال ليس كما هو مع «حزب الله»، كما يود المستقبليون الإيحاء.
أثبتت تجربة الحوار الثنائي مع الحزب أنه في الإمكان التخفيف قدر الإمكان من التشنج المذهبي في الشارع، كما أنه في الإمكان تحقيق إنجازات أمنية في ظل حالة الاستقرار بين الطرفين. لكن، في المقابل، ثمة تحفظات على استبعاد الحزب لبند رئاسة الجمهورية من البحث، ما أحيا تحفظات سابقة على جدول الأعمال «المحصور جداً»، بالنسبة الى الكثير من المستقبليين.
«شعرة معاوية» مع «حزب الله»
لكن «المستقبل» يحافظ على «شعرة معاوية» مع «حزب الله»، والمستقبليون يقبلون بإيجابية على الحوار الموسّع برعاية بري، إلا انهم يؤكدون ان لا جدوى منه أيضا اذا لم يؤد الى انتخاب رئيس للجمهورية.
على ان ثمة ملاحظة لدى هؤلاء على «خطأ» ارتكبه بري عبر استثنائه لرئيس «حزب الكتائب» سامي الجميل ولوزير الدفاع سمير مقبل، من الطاولة السداسية، والتي يبدو أنهما لم يستسيغاها، وقد جاء الرد على استبعادهما برفضهما تسوية الترقيات التي كانت برعاية رئيس المجلس.
لا لـ«النسبية الكلية»
موضوع آخر من المنتظر أن يعمّق الخلاف بين «المستقبل» و «حزب الله»: مقاربة الانتخابات على أساس «النسبية الكلية».
يرفض «المستقبل» بشدة الولوج في القانون النسبي، كما يطرح حالياً «في ظل هيمنة السلاح»: «كيف ستجري الانتخابات في المناطق حيث يسيطر الحزب، بينما لا يتجرأ أحد على الترشح.. ناهيك عن الفوز؟». يشير هؤلاء، على سبيل المثال، الى عدم تجرؤ احد المعارضين للثنائية الشيعية على الترشح في العام 2013 حين كان ثمة نية لإجراء الانتخابات. ويؤكدون ان «حزب الله» باستطاعته فرض نسبة تصويت شبه كاملة في مناطقه، وهو بذلك يقتنص النقاط في مناطق الآخرين أيضاً. كما ان هذا الاقتراح لا يتماشى مع المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، حسب هؤلاء، لكونه يُضر بالصوت المسيحي.
ولرمي الكرة في ملعب الخصوم، اتفق المستقبليون مع «القوات اللبنانية» و«المسيحيين المستقلين» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وحصلوا على «موافقة غير معلنة» من «الكتائب»، على اقتراح حلّ طويل الأمد ببنود خمسة:
أولاً، التطبيق الكامل لاتفاق الطائف وإعلان حياد لبنان في مقدمة الدستور.
ثانياً، تكوين مجلس للشيوخ يجمع الطوائف وفق القانون الأرثوذكسي.
ثالثاً، انتخاب مجلس للنواب، 47 في المئة منه على أساس النظام النسبي وفق الدوائر الست للمحافظات الكبرى التقليدية ما عدا جبل لبنان الذي ينقسم الى قسمين، و53 في المئة على أساس نظام أكثري وفق الدوائر الـ26 الحالية.
رابعاً، إلغاء الطائفية السياسية بعد أن تطمئن مكونات البلاد كافة الى طبيعة تمثيلها في مجلس الشيوخ.
خامساً، تطبيق اللامركزية الإدارية.
ويشير المستقبليون الى ان هذا الاقتراح يملك الأكثرية لإقراره، لكن مؤيديه لن يلجأوا الى ذلك رغماً عن الآخرين، مراعاة لواقع الاستقرار القائم في البلاد، والأمر نفسه الذي ينطبق على تسوية الترقيات التي يقول المستقبليون إن في الإمكان إقرارها في مجلس الوزراء بالأكثرية العادية.
على أن المستقبليين يقاربون تطور الأمور بحذر شديد لـ «كون أي تطور دراماتيكي لن يكون سوى نتاجٍ للمسرح السوري». هم يؤكدون توحُّدهم وراء زعامة رئيس التيار سعد الحريري، في ظل تساؤلات عن «تيار داخل التيار» يقوده الرئيس فؤاد السنيورة، ينحو إلى التشدد الواضح عبر بيانات «كتلة المستقبل».
لكن هؤلاء ينفون بشدة تراخي سيطرة الحريري الذي لا يزال باستطاعته قيادة الدفّة، ولو من الخارج. ويشيرون الى البيان الأخير للكتلة، الذي جاء للرد على هذه «الأقاويل» عبر تجديد «التأييد للمواقف التي يتخذها الرئيس سعد الحريري».
يضع المستقبليون خطاً عريضاً تحت تلك الكلمات «التي تأتي رداً على اللغط السابق». ربما هي إعادة تموضع وراء الحريري، وبيان الكتلة، الذي تتخذ مسودته نقاشات مستفيضة على الطاولة، قد قطع الشك باليقين بالنسبة الى هؤلاء حول ما يُقال عن «تيار» يقوده السنيورة، علماً أن مواقف التيار يتم التعبير عنها بطرائق أربع: الموقف الرسمي، الرئيس الحريري، بيان الكتلة ومواقف السنيورة. من هنا، اعتبار المستقبليين أنهم ليسوا «حزبا أيديولوجيا»، بل يمثلون تنظيما سياسيا يعبر فيه من يرغب عن قناعاته.
ملاحظات على الحكومة:
ميقاتي كان أقوى من سلام
يقف الكل في «المستقبل» وراء الحكومة التي يرى هؤلاء، على خلاف الجميع في البلاد، أن ليس التيار مَن جاء برئيسها. وهم، لذلك، يعبرون عن ملاحظات على أدائه.. حتى ان احد قياديي التيار قد ذهب في جلسة مغلقة الى اعتبار الرئيس نجيب ميقاتي معبراً أكثر قوة عن صلاحيات رئيس الحكومة.
وبعض المستقبليين لا يرون في الحكومة معبراً لحل الازمة في البلاد، بل إنها عبارة عن تشكيل وزاري لتمرير المرحلة، وهنا تكمن نقطة الضعف لديها في كيفية إدارة شؤون البلاد. وفي جعبة هؤلاء ملاحظات أخرى على الحكومة، من بينها عدم إيلائها الاهتمام الإنمائي لبعض مناطق الأطراف، وهي قد تقاسمت بذلك الإنماء بين الأطراف التي شكلتها..
وبينما تتعدّد ملاحظاتهم مع مرور الأيام، لا يرى المستقبليون أن الحل يكمن في تغيير حكومي هو غير وارد في هذه المرحلة، أو في تلك المقبلة، لكون الحل في المنطقة لا يزال بعيداً. ولذلك، يتمترس المستقبليون خلف الحكومة الحالية بوصفها أفضل الدواء.. حتى اليوم!