IMLebanon

المستقبليون» مع «حق التظاهر».. في مواجهة المتظاهرين!

يبدو «تيار المستقبل» معنيا أكثر من أي طرف سياسي آخر في البلاد بمسألة حماية الحكومة التي تعالت الأصوات من قبل فئات كثيرة في الحراك الشعبي المدني الاخير، للمطالبة باستقالتها.

«التيار» هو الأب الروحي للحكومة التي جاء برئيسها ونال حقائب هامة فيها، معولا عليها في مرحلة الفراغ الرئاسي الحالي المرشح لكي يطول، من دون ان يعني ذلك عدم تمسك الأطراف الاخرى بهذه الحكومة التي تضمن الاستقرار، حسب الممثلين فيها.

لكن المطالبات بالاطاحة بالحكومة التي دوّت في ساحة رياض الصلح، تصيب «المستقبل» في الصميم، مثلما تصيب شريحة لبنانية ترى في هذه الحكومة ممثلا شرعيا لها في توزيع السلطة.

في بادئ الامر، وقف «المستقبليون» داعمين «للمطالب المشروعة» التي رفعها متظاهرو رياض الصلح، والتي رأوا فيها مطالب محقة ترفع من قبل متظاهرين سلميين ومستقلين. مع تطور الأمور في خط تصاعدي وحدوث الصدامات بين المعتصمين وقوى الامن، اعلن المستقبليون ادانتهم للعنف المستخدم ضد جموع المتظاهرين، وانضموا الى الدعوات لمحاسبة من لجأ الى استعمال العنف ومن حرض عليه، وهم بذلك بقوا على تناغم غير مباشر مع المحتجين.

سرعان ما ارتفع سقف المطالب الشعبية، برزت الدعوات لاستقالة وزير البيئة.. وصولا الى الدعوة الى استقالة الحكومة. عندها، شعر «المستقبليون» بالحرج. هم يدعمون أحقية مطالب المعتصمين من جهة، لكنهم يرون في دعوات اسقاط الحكومة مسّاً بما يعتبرونه حقا لهم في السلطة.

وتحت عناوين «الانحراف في مسار التظاهرات» و «التعدي على الأملاك العامة» و «محاولات إسقاط النظام»، رسم هؤلاء «الخط الأحمر» مع التظاهرات الشعبية. قدموا الدعم الكامل لرئيس الحكومة تمام سلام. ثم ما لبثوا ان انتقلوا إلى الهجوم على المطالبين باستقالة الحكومة، عبر التنديد «بانحراف» التظاهرات عن سلميتها واتهام قوى سياسية بامتطاء الحراك الشعبي «لفرط النظام العام» في البلاد. لم ينادِ أي من رافعي مطلب استقالة الحكومة، استناداً إلى خلفية طائفية أو مذهبية، لكن من سوء حظ المتظاهرين ان دخل غرباء على هذا الحراك، «مشوهين إياه»، كما يؤكد المنظمون.

ترافق ذلك مع حركة لافتة للنظر تمثلت في نزول متظاهرين الى الشارع في بيروت وبعض المناطق، تحت عنوان «حماية السرايا الحكومية»، وقاموا بقطع الطرقات قبل.. الاختفاء فجأة.

ومن دون تبني تلك التحركات، يشير بعض «المستقبليين» الى ان المعترضين على تحركات السرايا لهم الحق في التعبير عن غضبهم مما يحصل ومن الاستهداف الذي يتعرض له تمثيلهم في السلطة ومما شاهدوه من تعديات على رموزهم السياسية. هم بذلك يجدون التبرير للتظاهرات المقابلة، من دون الإقرار بأن جمهور «المستقبل» هو من قام بها.

يقر «المستقبليون» بحق المعتصمين امام السرايا في التعبير عن شعاراتهم، كما يقرون بمطالب محقة رفعت هناك، كما يعترفون بثغرات شابت العمل الحكومي، خاصة على صعيد معالجة قضية النفايات «التي تطاول كل لبناني من دون استثناء».

في المقابل، يسألون: من الذي سيحمي الامن والاستقرار في البلاد اذا استقالت الحكومة؟ ماذا إذا دخل لبنان في المجهول في ظل الفراغ الرئاسي؟ من مصلحة من الدفع بالبلد نحو الفوضى في ظل وضع بالغ التوتر يحيط بلبنان؟ لا بل كيف سيُحل موضوع النفايات اذا استقالت الحكومة؟ ثم يزيدون بالسؤال: لماذا لم نشاهد مثيلا لذلك الحراك لدى شغور موقع الرئاسة على سبيل المثال؟

بالنسبة الى هؤلاء، فإن لا حاجة للبحث عمن يقف وراء ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين. انها اطراف في الحكومة، ولاسيما «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» اللذين لا يمانعان في الإطاحة بالحكومة والوقوع في المحظور. هي اذا ليست مواجهة مباشرة مع رافعي شعارات اسقاط الحكومة.

ولا يستبعد هؤلاء خروج الأمور عن السيطرة في حال استمر التصعيد بوجه الحكومة واستمرار المطالبة باستقالتها، اذ من غير المستبعد ان ينزل الشارع المقابل الى الأرض، ما قد ينتج عنه صدامات قد تودي بالبلاد نحو المجهول.

أمس، خرج المحتجون، على تنوعهم، بمطالب غير ذات سقف عال كإسقاط الحكومة أو استقالة وزير البيئة الذي دعوا الى محاسبته. لكنهم، في المقابل، رفضوا ما آل اليه ملف المناقصات الذي جاء نتيجة لـ «المحاصصة»، واستمروا بالدعوة الى الاعتصام والتظاهر السلميين، كما بالمطالبة بمحاسبة من تورط بالعنف وباطلاق المعتقلين..

لكن بالنسبة الى «المستقبليين»، فإن ثمة انجازا تحقق مع إرساء المناقصات. ومن هذا الانجاز ينطلقون للاستخلاص أن ليس ثمة داع لاستمرار «المقامرة بمصلحة البلد» عبر استمرار الحراك الشعبي على حاله، لناحية طبيعته أم لناحية نوعية بعض المشاركين فيه.

أما الحل للأزمة الشاملة في البلاد، فهو بسيط وواضح، حسب هؤلاء: الخطوة الأولى تتمثل في النزول الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية. اذ ان انتخاب الرئيس سينتج عنه تلقائيا تشكيل حكومة جديدة، تليها انتخابات نيابية..

هذا هو المسار الطبيعي والدستوري للأمور، كما يؤكدون، «أما فرض الأمور بالقوة.. فهو أمر لن يحصل، اذ ان القوة تفيد لبعض الوقت، لكن من غير الممكن لها ان تؤدي الى حلول على الأمد الطويل».