اذا كان من ايجابية او فائدة معينة لما بدا في نهاية الامر، وفي ظل كم هائل من التوضيحات، انه ” هفوة” ارتكبها وزير الخارجية جون كيري بقوله انه سيتعين على الولايات المتحدة ان تتفاوض مع الرئيس السوري بشار الاسد من اجل انهاء الحرب في سوريا، فهي ان هذه “الهفوة” اثارت ردود فعل في اتجاهات كثيرة يمكن اعتبارها بمثابة استطلاع عالمي للرأي يفيد في خلاصته بعدم امكان القبول بشخص الاسد او بقبول امكان استمراره. كما ان هناك موقفا دوليا واقليميا ليس على استعداد للتهاون مع اي اتجاه من هذا النوع وهو سيتصدى له في حال وروده. وتاليا رب ضارة نافعة من حيث ان الضجة الاعلامية والسياسية التي حصلت على كلام كيري من شأنها ان توجه رسالة واضحة في اتجاهات دولية واقليمية وحتى داخلية سورية بان خيارا مماثلا اي اعادة تعويم الاسد ليس خيارا مقبولا. ولعل الاسد يضطر الى اعادة حساباته بعدما رفع سقف مواقفه بعد الكلام الديبلوماسي الاميركي. ولم تخف مصادر ديبلوماسية اعتقادها منذ اطلاق كيري موقفه ان هذا الاخير ارتكب هفوة تمثلت في انه تلفظ باسم الاسد بالتحديد شريكا في التفاوض في الوقت الذي جلس ممثلون عنه الى الطاولة في جنيف 2 ولا تزال الولايات المتحدة تقول بحل سياسي يشترك فيه جميع الافرقاء السوريين ويعني ذلك ان يكون النظام السوري مشتركا في هذا الحل. فهذه التصورات او الخطط للحلول للوضع السوري لم تثر ردود فعل على رغم سريانها منذ بعض الوقت ما عزز الاقتناع بان تسمية وزير الخارجية الاميركي الاسد هو ما اثار رد فعل كبيرا جنبا الى جنب مع عدم تكرار كيري المقولة التي دأب على تكرارها المسؤولون الاميركيون من ان الاسد فقد شرعيته، مما اضطر الخارجية الاميركية نفسها اي المؤسسة التي يرأسها كيري بالذات الى توضيح كلامه مرارا وتكرارا عبر التأكيد انه لا مكان للاسد في مستقبل سوريا ولا تفاوض معه شخصيا. وهذه النقطة بالذات اي تولي الخارجية الايضاحات اللازمة تنفي وجود خلفية لكلامه او توزيع للادوار في الادارة الاميركية .اذ ان ثمة اسبابا واقعية وموضوعية لا تسمح بامكان التعويل على تغيير في السياسة الاميركية ازاء سوريا في هذه المرحلة من النوع الذي اثار مخاوف كبيرة اطلقها كلام كيري. ويتقدم هذه الاسباب الازمة الحقيقية والكبيرة التي يتواجه فيها الرئيس الاميركي باراك اوباما مع الكونغرس الاميركي في مسألة الاتفاق النووي مع ايران. فالازمة في اوجها بين الجانبين من خلال الرسالة التي وجهها اعضاء جمهوريون في الكونغرس الى ايران في محاولة لتعطيل الوصول الى اتفاق نووي مع ادارة اوباما في سابقة اثارت ردودا اميركية قوية ازاء تجاوز الادارة الاميركية بالشكل الذي حصل في مقابل توجه الرئيس الاميركي الى مجلس الامن من اجل رفع العقوبات المحتمل عن ايران على نحو يضع الكونغرس الاميركي امام وضع صعب وهو ما يمكن ان يثير بدوره ردود فعل قوية لما تمثله الخطوة من لجوء الادارة الى مؤسسة من غير المؤسسات الاميركية وان يكن مقرها في نيويورك من اجل تجاوز ارادة الشعب الاميركي. وهذه المسألة وحدها تنذر بتصاعد شديد للامور في واشنطن على نحو لا يسمح بفتح جبهة ثانية او مسألة خلافية جديدة في حال صح ان هناك تغييرا في موقف الادارة الاميركية من شخص بشار الاسد. اذ لا الكونغرس ولا الاعلام الاميركي يمكن ان يتساهلا ازاء تغيير من هذا النوع بما يعنيه من انقلاب في الموقف من الرئيس السوري ولا يعتقد انه من السهولة بمكان تغيير الموقف من الاسد.
لكن ينبغي الاقرار بان ثمة مشككين كثيرين بالسياسة الاميركية في المنطقة وهناك انعدام كامل للثقة بحيث تستمر الخشية من ان يضمر كلام كيري او يستبطن قطبة مخفية ما بناء على سجل من التقاعس الاميركي خلال الاربع سنوات الماضية من عمر الثورة السورية في تقديم موقف حاسم وحازم من النظام. لا بل ان مثار التساؤل وسط كل هذه الضجة التي رافقت كلام كيري في الايام القليلة الماضية يتناول الاسباب التي دفعت عواصم حليفة للولايات المتحدة كبريطانيا وفرنسا وتركيا الى ان تطلق مواقف قوية تعلن فيها رفضها التفاوض مع الاسد او ان يكون جزءا من مستقبل سوريا كأنها على النقيض من الموقف الاميركي في الوقت الذي يفترض ان هذه العواصم مطلعة على السياسة الاميركية وموقفها ازاء الملف السوري. فرد الفعل الذي ابدته هذه العواصم قبل ان يعود وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ويعلن ان السياسة الاميركية لم تتغير من موضوع عدم بقاء الاسد توحي وكأن هذه العواصم فوجئت وابدت ردة فعل فورية بحيث لم تنظر للتحقق من صحة او دقة ما قصده رئيس الديبلوماسية الاميركية، وما اذا كان موقفه مدروسا او مجرد خطأ في التعبير من اجل ان تبني على الشيء مقتضاه، ما لم تعتبر ان الموقف المعلن هو بالون اختبار يسعى الى رصد ردود الفعل على احتمال من هذا النوع، فقامت هي بابداء رد الفعل المناسب بالنسبة اليها على رغم ان هذه الدول يفترض ان تكون حليفة وتتشاور في اي موقف وتعلن موقفا موحدا . فما حصل لا يظهر ذلك على الاطلاق بل على العكس.