باقتراب صفقة الترقيات من نهايتها، تكون المؤسسة العسكرية قد قطعت «قطوعاً» خطراً كاد يُهدّد سلامتها، وكانت هذه الصفقة ستتمّ إن حصلت رغماً عن إرادة قيادتها التي بات موقفها معروفاً لجهة رفض الترقيات الاستنسابية، مع ما كانت ستؤدّي اليه من نتائج سلبية.
لا يُخفي مطّلعون على موقف قيادة الجيش ارتياحها لفشل صفقة التعيينات، ويقول هؤلاء إنّ عدم حصولها وفّر على الجيش مخاطر كثيرة. ويضيفون: ترى القيادة أنّ كفّ يَد السياسة والسياسيين عن المؤسسة العسكرية هو الطريق الصحيح لحفظ دور هذه المؤسسة، وذلك على عكس ما حصل في الاسابيع والاشهر الماضية، حيث أُقحم الجيش وضباطه في عملية تسييس كادت أن تؤدي الى بلبلة كبرى في أوساط الضباط، الذين شاهدوا كيف يستعمل فريق سياسي كلّ وسائل الضغط والتأثير خدمة لضابط محدَّد، وهذا ما دفع كثير منهم الى مصارحة القيادة بأنّ ما يحصل يُشرّع ابواب التدخل السياسي في الجيش، ويُجبر الضباط على توسّل الولاءات السياسية لنيل الترقيات، أسوة بما قام به العماد ميشال عون الذي وظّف كلّ طاقته في موضوع الترقيات خدمة لأهدافه العائلية.
يروي المطّلعون أنّ قيادة الجيش استاءت من التدخّلات السياسية خصوصاً في مرحلة الغزل العوني – المستقبلي، التي وصلت بعد احتفال الرئيس سعد الحريري بعيد ميلاد الجنرال الى تنظيم لقاء بين الحريري والضابط المعني بالترقية، ما اعتبر أنّه لعب بأوراق المؤسسة العسكرية وسلامتها. ويشدّدون على أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي كان حازماً منذ البداية في مواجهة التدخّل السياسي السافر في الشؤون الداخلية للجيش، وبرفض خرق قانون الدفاع الصريح الذي يُحدّد آلية الترقيات للضباط كلّ حسب رتبته.
ويروي المطّلعون أنّ موقف قيادة الجيش كان الأبرز في حفظ المؤسسة العسكرية، إذ إنّ كلّ عواصم القرار حرصت على سماع رأيها، في ظلّ حملة كثيفة من التدخّلات الديبلوماسية الفاضحة التي كان هدفها تمرير موضوع الترقيات، ولو خلافاً للقانون، مقابل عدم تعطيل الحكومة أو ما تبقّى منها، لكنّ هذه التدخّلات ما لبثت أن انحسرت، بعدما شعر الجميع في الداخل والخارج، أنّ المؤسسة العسكرية ستكون في خطر في حال تمّت الترقيات المخالفة للقانون وللهرمية، علماً أنّ المجتمع الدولي ينظر الى الجيش كعمود فقري في حماية الاستقرار، ومواجهة الارهاب، وهو يضع كلَّ ثقله لحفظ الجيش لكي يلعب دوره كاملاً، بعيداً من الألعاب البهلوانية لهذا أو ذاك من الأطراف الداخليين.
وإذا كان شبه سقوط صفقة الترقيات يعود الى صلابة موقف الرافضين، وأبرزهم الرئيس ميشال سليمان وحزب الكتائب والوزير اشرف ريفي وغيره من الوزراء، إلّا أنّ موقف القيادة العسكرية كان الأبرز، فهذه القيادة لها صوت مسموع دولياً باعتبارها العمود الفقري للاستقرار في لبنان الذي يشكل استمراره مصلحة عربية وإقليمية ودولية جامعة.
أما بالنسبة للعماد عون الذي خاض معركة الترقيات بتطرّف وصل الى حدِّ كسر العضم، فقد ارتكب جملة من الاخطاء في التقدير إذ لم يُحسن قراءة تأجيل تسريح العماد قهوجي وبقائه قائداً للمؤسسة العسكرية، كما لم يُحسن قراءة التوازنات الداخلية التي منعت حلفاءه من وضع كلّ ثقلهم لتحقيق هدفه، فالتوازناتُ الداخلية باتت تستلزم التبريد، نسبة لما يجري في سوريا.
وخلافاً لهمروجة الاستقواء بالتدخّل الروسي، فإنّ المعلومات التي رشحت عن زيارة وليّ وليّ العهد السعودي في شقها اللبناني تفيد بأنْ لا تغيير في الموقف الروسي المؤيّد لانتخاب رئيس توافقي في لبنان، وهذا يعني أنّ انتظار العماد عون لمتغيّرات في سوريا تأتي به الى قصر بعبدا، هو انتظار بلا أفق.