Site icon IMLebanon

إقالة غالانت: نتنياهو في مواجهة بايدن حتى عودة ترامب!

 

بعد دقائق على إقالة وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، صدرت ردات فعل معبّرة، بين قائل انّها «قرار سياسي على حساب الأمن القومي»، كما قال وزير الدفاع السابق بني غانتس، و»انّها استمرار مباشر لمساعي نسف صفقة التبادل»، كما قال أهالي الأسرى. ولما برّرها نتنياهو بـ «انّه لم يعد هناك اي مجال للتفاهم بينهما»، ثبت أنّه قصد تشكيل فريق حكومي متشدّد لمواجهة بايدن في أيامه الـ 76 الاخيرة في البيت الأبيض، حتى عودة صديقه دونالد ترامب اليه. وهذه بعض الدلائل.

قبل الحديث عن التوقيت الذي اختاره رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للتخلّص من غريمه الحكومي الثالث وزير دفاعه يوآف غالانت بعد كل من زميليه السابقين بيني غانتس وغابي ايزنكوت في مثل الظروف التي تعيشها المؤسسة العسكرية المنخرطة في قلب الحدث على أكثر من جبهة عسكرية. وهي التي أحصاها نتنياهو، فعدّدها بسبع جبهات بين الداخل والحدود الجغرافية لاسرائيل والبعيدة منها، ينتظر ان يستكمل «طحشته» لاجتثاث ما تبقّى من خصومه العسكريين وفي مقدّمهم إن صحت التسريبات رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، وقد تطال آخرين إن تضامنوا مع المبعدين الجدد، على رغم من النفي الذي صدر عن مكتب نتنياهو لعدم وجود مثل هذا التوجّه اليوم.

 

 

كان واضحاً أن يستغل نتنياهو الموصوف بـ «قناص الفرص الذهبية»، انشغال الإدارة الاميركية والعالم بمجريات العملية الانتخابية لاختيار الرئيس الجديد للولايات المتحدة الاميركية، ليضرب ضربته القاسية في الداخل، غير مبالٍ بأي تفسير يمكن ان يعكس جملة المخاوف التي انتهت إليها تعييناته الجديدة وانعكاساتها على مجريات الحرب -على أساس لا تبدّل الأحصنة والقافلة وسط النهر -وعلاقات إسرائيل بحلفائها والعالم الغربي. ولم يقف الأمر عند اختيار البدلاء الأكثر تشدّداً من بين المتطرفين بتعيينه وزير الخارجية يسرائيل كاتس على رأس الهرم العسكري بدلاً من غالانت وجدعون ساعر خلفاً له على رأس الديبلوماسية، لا بل فقد دلّت إلى مشروع مواجهة جديدة وربما ستكون الأقسى والأعنف مع ادارة الرئيس جو بايدن الحالية بما تبقّى لها من أيام في السلطة.

 

فقد بات واضحاً في رأي عدد من الديبلوماسيين، أنّ نتنياهو وأياً كانت النتائج التي ستنتهي إليها الانتخابات الرئاسية الاميركية – فكيف بفوز صديقه ترامب – يستعد مسبقاً لمواجهة اي خطوة يتوجسها من بايدن في الأيام الـ 76 الفاصلة عن نهاية ولايته بموعدها الأقصى لحظة مغادرته البيت الابيض في العشرين من كانون الثاني المقبل، ولم يتمكن من القيام بها منذ أن دخلت بلاده مدار الانتخابات الرئاسية. فهو سيكون متحرّراً منها في اللحظة الاولى التي تلي إقفال صناديق الانتخاب أياً كانت نتائجها بالنسبة اليه شخصياً او على مستوى الحزب الديموقراطي.

 

والى ذلك، فإنّ بايدن نوى منذ فترة طويلة ردّ الإجر لنتنياهو بتطيير حكومته، وقد راهن على مجموعة من الخطوات التي لم تؤت بالثمار التي أرادها، وأقلها إبعاده عن موقع المسؤولية منذ أشهر عدة. فهو كان صريحاً عندما حرّض الوزيرين بيني غانتس وغازي ايزنكوت على رئيس حكومتهم، ما لم يقبل بوقف النار في غزة وإجراء عملية تبادل الأسرى بالمعتقلين، وانتهت العملية بلا جدوى ترجمتها استقالتهما وخروجهما من الحكومة. ولما كرّر المحاولة مع غالانت انتهى إلى مصير أسلافه ولو بطريقة معاكسة، لمجرد انّها انتهت إلى إقالته ليكتمل عقد المتطرفين والمتشدّدين في الحكومة إلى الحدود القصوى، لمجرد انتقال كاتس وساعر إلى جانب بن غفير وسموتريتش كرباعي مخيف يكتمل بحضورهم جميعاً على طاولة واحدة عقد فريق الصقور، ليكتسح التركيبة الحكومية إلى جانب نتنياهو. وهي مجموعة وزارية متضامنة التقت على تشكيل سدّ منيع امام أي خطة اميركية انتقامية تعطل مشاريعه في المواجهة التي تعود بينهما في أساسها الى عشر سنوات خلت، وتحديداً عشية توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ (5+1) ولم تتغيّر منذ ذلك التاريخ في ظل تنامي الحقد بين الرجلين.

 

 

على هذه الخلفيات، وفيما اتجهت بعض النظريات إلى قراءة التوقيت الذي أراده نتنياهو مع فتح صناديق الاقتراع لتجنّب ردات الفعل الاميركية القاسية جاءت الوقائع بالعكس. فقد بادرت ادارة بايدن إلى التعليق في ساعات قليلة تلت الإقالة، للتعبير عن صدمتها واستغرابها لقرار نتنياهو. ورغم اعتبار البيت الأبيض «أن غالانت كان شريكاً مهمّاً» فإنّه اكّد انّه «سيواصل العمل بنحو تعاوني مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد». وهو كلام ديبلوماسي لا يخفي غيظ هذه الإدارة، ولكنه لا يخرج عن المالوف اياً كانت ردات الفعل سلبية، وقد لا يتمّ التداول بها سوى عبر القنوات الداخلية إلى ان تنجلي المرحلة التي تلي الانتخابات الرئاسية. ذلك أنّ انشغال هذه الإدارة بها سمح لنتنياهو بالتغيير الحكومي بأقل ردات فعل خارجية، وهو أمر لن يطول.

 

وإلى هذه المؤشرات التي يجمع عليها اكثر من ديبلوماسي، فإنّها رأت نفسها مضطرة إلى ترقب المواجهات الداخلية الصعبة التي يواجهها نتنياهو. فأمامه، بالإضافة إلى التطورات العسكرية الجارية على اكثر من جبهة، مواجهة القضاء في الحادي عشر من الشهر الجاري – إن بقي الموعد قائماً – من أجل التحقيق في سلسلة من الاتهامات بالفساد واستغلال السلطة. وفي انتظار ما تحمله الايام المقبلة، فقد وجد فريقه منغمساً في اتهامات تزوير «بروتوكولات جلسات حساسة» في مكتبه منذ بداية الحرب، استدعت تدخّل «وحدة لاهاف 433» السيبرانية التابعة للشرطة في ما سمّته «قضية خطيرة»، وهو ما قد يستغله الداخل والخارج في وجهه في توقيت دقيق تعيشه بلاده والمنطقة.

 

 

وبناءً على ما تقدّم، انتهت المراجع الديبلوماسية إلى اقتناع شبه ثابت بأنّ ما قصده نتنياهو أن يعبر المرحلة الانتقالية الممتدة من اليوم وحتى موعد تسلّم صديقه الفائز بها دونالد ترامب مقاليد السلطة في 20 كانون الثاني المقبل. وهو سيمضيها في مواجهة يبدو أنّها مستمرة مع الرئيس الذي يستعد لمغادرة مكتبه البيضاوي، وإبطال ما يمكن ان يقوم به من خطوات يستغل فيها مراسيمه التنفيذية الصارمة ليستعيد شيئاً من هيبته، بعدما فشلت كل الصيغ والمحاولات التي جرت لترميم العلاقة بينهما.