طوال 9 أشهر من حرب الاستنزاف على الحدود بين لبنان وإسرائيل، تصاعدت كثيراً تهديدات بنيامين نتنياهو وأركان حكومته بتوسيع الحرب لتشمل مناطق أخرى واسعة في لبنان. لكن الجميع كان يدرك أنّ إسرائيل لن تفعلها. وهذا ما سمح لـ»حزب الله» بالمضي في القتال. ولكن، هل هناك معطيات قيد التبدّل في الآونة الأخيرة؟
المانع الأساسي أمام الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان هو رفض الأميركيين لهذه الخطوة، ومعها الحلفاء الأوروبيون، لا سيما فرنسا. فهؤلاء ما زالوا يعتقدون أنه من الممكن حصر النار في الجنوب، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإحياء القرار 1701، الذي استطاع ضمان الأمن في تلك المنطقة على مدى 18 عاماً بشكل مثالي. فذلك، في نظرهم، يبقى أضمن للمصالح الغربية من عملية إسرائيلية تدمر مرتكزات الدولة في لبنان، فيسقط في يد «حزب الله» وإيران نهائياً. وفي هذه الحال، سيصبح الوضع في الجنوب أكثر تعقيداً.
بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها، إن قيام إسرائيل بعملية عسكرية تدمر مرتكزات الاقتصاد، في بلد منهار أساساً، لن يستفيد منه أحد سوى إيران، لأنها الوحيدة الممسكة بالقرار واقعياً، ولأن النموذج الذي أظهرته حرب 2006 هو ضعف الدولة ونمو نفوذ «حزب الله».
لذلك، أراد الأميركيون من خلال عاموس هوكشتاين ملء الوقت بالحراك الديبلوماسي، لعله يحدّ من انفلات الوضع العسكري.
يتشارك الإسرائيليون وواشنطن رغبتها في تجنّب الحرب الواسعة الشاملة على لبنان، وسعيها إلى إحياء القرار 1701، لكن لهم مقاربة مختلفة في النظر إلى درجة الخطر التي يمثلها «حزب الله» في الجنوب، بترسانة الصواريخ والمسيرات المتطورة، التي يتمدّد نطاقها تدريجاً لتتوغل في العمق الاستراتيجي الإسرائيلي. وقد أعلن المسؤولون في حكومة نتنياهو أنهم يرفضون في أي شكل بقاء المنطقة الشمالية الإسرائيلية تحت تهديد «الحزب»، في حد أقصى نهاية آب المقبل، لأنهم يرغبون في إعادة النازحين في هذه المنطقة إلى ديارهم، قبل بدء العام الدراسي الجديد في أيلول.
وتحدثت وسائل الإعلام عن محاولات كثيفة بذلها نتتياهو لإقناع إدارة الرئيس جو بايدن بتسديد ضربات عسكرية أوسع في داخل لبنان، لإحداث ضغط إضافي على الحكومة و»حزب الله» والمجتمع اللبناني عموماً، بهدف إجبار «الحزب» على وقف قتال المساندة في الجنوب. لكن الأميركيين رفضوا ذلك بقوة، وأرسلوا هوكشتاين إلى المنطقة في جولات وساطة جديدة لهذه الغاية.
يحاول نتنياهو أن يقنع واشنطن بأن وجود «حزب الله» في منطقة الحدود سيجعل إسرائيل في مهب هجوم مباغت في أي لحظة، على غرار ما فعلت «حماس» في غزة، يوم 7 تشرين الأول من العام الفائت. ولذلك، هو يطلب منها الضوء الأخضر وأسلحة وذخائر مناسبة لعملية عسكرية تنهي هذا الوضع. لكن واشنطن بقيت ترفض الطلب بقوة.
الجديد في هذه المسألة هي ما يُثار حول استغلال نتنياهو حال الضعف والإرباك التي تعيشها إدارة بايدن، في شهورها الأخيرة، نتيجة انكساره المتوقع في الانتخابات الرئاسية في الخريف أمام دونالد ترامب. ومن النقاط التي استغلها ترامب في المناظرة التي جرت أخيراً مع الرئيس الحالي هو «اتهامه» بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين مقابل انكفائه عن تقديم الدعم الكافي لإسرائيل. ولذلك، قد يستغل نتنياهو حاجة بايدن إلى «تصحيح» الصورة في أذهان الرأي العام المتعاطف مع إسرائيل، بالإقدام على مبادرات لمصلحتها.
ويجدر التوقف هنا عند معلومات ترددت أخيراً ومفادها أن واشنطن وافقت، بعد تردد طويل، على تزويد إسرائيل بأسلحة وصواريخ تطلبها، ربما تستخدم في توسيع الحرب على لبنان. وقيل إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ربما تمكّن من الحصول على الموافقة في زيارته الأخيرة لواشنطن.
اللافت أن غالانت جالَ قبل يومين على الحدود مع لبنان وأطلق تهديداً نارياً، فقال: «نحن نشنّ حالياً حرباً محدودة في الشمال، ونستخدم جزءاً صغيراً من قوة الجيش. لكن الأمور قد تتغير في لحظة، من جهد رئيسي في الجنوب، أي قطاع غزة، إلى جهد رئيسي في الشمال. وهذا الأمر سيكون سريعاً ومفاجئاً وحاداً جداً. ونحن نقترب من اتخاذ القرار، وسنعرف الطريق الذي سيحقق الأمن للسكان هنا».
هذا التهديد قد يكون واحداً من عشرات التهديدات التي أطلقها الإسرائيليون ضد لبنان، من باب المناورة والضغط، منذ اندلاع الحرب على الحدود. لكنه أيضاً قد يكون جدياً في لحظة سياسية حرجة في الولايات المتحدة، وفيما تشهد حرب غزة تحولات مفصلية.
ومعيار هذه الجدية هو ما سيعود به نتنياهو من زيارته التي بدأها في الولايات المتحدة، والتي سيلقي خلالها خطاباً في الكونغرس ويلتقي كبار المسؤولين في الإدارة والحزبين الديموقراطي والجمهوري. فقد يستغل الإسرائيليون هذه اللحظة للقيام بشيء ما في لبنان، قد يكون اجتياحاً برياً كما يهددون علناً، وقد يكون ضربة صاعقة يُراد منها خلق ستاتيكو جديد ربما يفتح الباب لمفاوضات حول وقف النار وترتيبات الأمن في المنطقة. وقد ينجحون في إقناع إدارة بايدن بالضربة، استناداً إلى هذه الذريعة.