IMLebanon

غالانت ومتاهة لبنان

 

كثيرون أصابهم الملل جراء الاستماع الى يؤاف غالانت. يعاني الرجل من عقدة غزة. عندما كان قائداً للجيش، اتّهم المستوى السياسي بمنعه من سحق حماس. لكنه اليوم، يجلس في مقعد القرار. وكل ما يقدر عليه، هو التنقل بين المواقع العسكرية، والتقاط الصور مع الجنود، قبل أن يشغل الراديو المزروع في رأسه، مكرراً الأغنية نفسها، كما يفعل في جلسات الحكومة. الجنرال الخائب ربما لا يعرف أنّ أحداً لا يقدّره في الجهة المقابلة. يكفي أن تنظر الى طريقة تعامل بنيامين نتنياهو معه. أو كيف يتجنّبه وزراء مجلس الحرب. لكنه يخرج علينا، ليصبّ جام غضبه وكأنه يعيش في كوكب آخر. يتصرف مثل ضابط صف، يلتزم البيان المكتوب له، حتى ولو كان يعرف أنّ أحداً من الجنود لا يستمع إليه.المشكلة، أنه كثير الكلام، ويهدّد طوال الوقت، ولا يترك أحداً من غلاظته. يهدّد رئيس حكومته، ورئيس أركان جيشه، ثم يهدد الوزراء الذين «هبطوا بالمظلّة الأميركية» على الحكومة، ويهدد الفلسطينيين في غزة والضفة والشتات، ويهدد لبنان وحزب الله، ويهدد أنصار الله في اليمن والمقاومة في العراق والسلطة في إيران. وفوق كل ذلك، لديه لازمة «الأسبوع الإضافي». قال إنه يحتاج الى أسبوع أو اثنين، لإنهاء العمل في شمال غزة، ثم طلب أسبوعاً إضافياً لتنظيف وسط القطاع، قبل أن يطلب أسبوعاً جديداً للوصول الى مركز القيادة في خان يونس، ثم سيخرج علينا بعد أسبوع، ليطلب أسبوعاً جديداً حتى ينجز العملية في رفح، وهناك سيطلب المزيد من الأسابيع.

أما على جبهتنا، فإن غالانت ليس لديه سوى الحديث عن الحرب المدمرة التي ستصيب لبنان إن لم تتوقف المقاومة عن قصف جنوده على الحدود. ويمكن لأي متدرب أن يجمع للرجل أكثر من عشرين تصريحاً عن لبنان، يكرر فيها العبارات نفسها: إذا لم يتصرف العالم ويكبح حزب الله، فسوف تقوم إسرائيل بالمهمة. وها هو اليوم، يضيف على ذلك قائلاً: حسناً، من قال إنه في حال توقف القتال في غزة، فإن القتال سيتوقف في لبنان؟

السؤال على أهميته ليس مطروحاً للإجابة إلا على طاولة المستوطنين من سكان مستعمرات الجليل الخالية. سبق لهؤلاء أن اجتمعوا مراراً بغالانت وبأركان جيشه. سمعوا الكثير من الوعود، وفي نهاية كل لقاء يقال لهم: سوف نمنح الديبلوماسية بعض الوقت، ولكن الزمن يضيق، وسنقوم بدورنا متى حان الوقت.

ومتى يحين الوقت؟

الآن، يواجه غالانت أحجية رسمها له قادة المستوطنين، لتظهر على شكل لعبة السلّم والأفعى. وفي كل مرة يرفعهم الى أعلى بتصريحات نارية، يأتي من خارج القاعة صوت صاروخ قادم من صوب لبنان ليعيد إنزالهم وهو معهم الى تحت.

بعيداً عن الإعلام، يتولى ضباط جيش الاحتلال المنتشرون في الشمال إفهام المستوطنين بأن الحلّ ليس قريباً، وأن عليهم الاستعداد لبقاء وقت أطول بعيداً عن منازلهم. لكنْ هناك من يقول لهم بأن الهدنة القريبة مع غزة ستسمح لهم بالعودة الى منازلهم. ومن يقول لهم ذلك، ليس غالانت، ولا ضباط جيشه، بل المقاومة في لبنان، التي تقول بأن وقف الحرب في غزة يعني وقف العمليات في الشمال. وعندها يمكن لهؤلاء العودة الى منازلهم.

لكن مهلاً، غالانت يقول بأن وقف إطلاق النار في غزة مؤقّت. وإن جيشه سوف يستأنف الحرب. فماذا على المستوطنين أن يفهموا: يعلن عن الهدنة في غزة، فيتوقف حزب الله عن قصفهم، فيعودون الى منازلهم، يزيلون الركام، وينظفون أوساخ الجنود داخل المنازل وفي باحات المستوطنات. ثم يدرسون كيفية إعادة الإعمار، وفي غمرة انشغالهم في إنعاش أعمالهم، يسمعون أن الهدنة انتهت، ويبدأ رنين الهواتف حيث تطلب الجبهة الداخلية منهم ضرورة مغادرة المكان فوراً!

في هذه الحالة، يبدو أن المستوطنين، الذين يواجهون معضلة كبيرة في التعامل مع حكومتهم، أقرب الى قرار إحالة غالانت وجنرالاته الى لعبة جديدة، اسمها المتاهة اللبنانية.

وقمح!