IMLebanon

تهديد غالانت وعظة الراعي

 

 

هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالأمس بتدمير بيروت. وهذا التهديد تكرّر في إسرائيل منذ حرب غزة، إلّا أنّه لم يحرّك ساكناً في لبنان. وأتى تهديد غالانت مباشرة بعد تحذير من نوع آخر. وهذا التحذير أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد الماضي. فهو قال بلسان جنوبي: «أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعاً بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الانتصارات الوهميّة والهزائم المخزية».

 

أقامت عظة الراعي «دنيا» الممانعة ولم تقعدها بعد. أمّا تهديد غالانت فلم يُقم أحداً في لبنان حتى يقعده. وبينما سعى الراعي إلى إدانة ما لحق بالجنوب ولا يزال من قتل وتدمير، جاء وعيد الوزير الإسرائيلي مستهدفاً مباشرة عاصمة لبنان، وما يعنيه الأمر لملايين اللبنانيين.

 

لكنّ الفارق هنا، هو أنّ البطريرك يدين خطراً وقع فعلاً. أمّا غالانت، فهو ينذر بما لم يأت بعد. أغلب الظنّ أنّ حجّة المعترضين على عظة الراعي أنّه يخرق الصمت المدوّي الذي رافق ولا يزال قرار «حزب الله» إشعال المواجهات منذ 8 تشرين الأول الماضي. أما حجّة المتجاهلين للتهديد الإسرائيلي، فهي أنّه ما زال مجرّد كلام قابل للتأويل.

 

لكن، ماذا لو وقعت الواقعة، واستفاق اللبنانيون على أنّ التهديد لبيروت أصبح واقعاً؟

 

هناك كثيرون عاشوا تجربة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران عام 1982. ويتذكّر الأحياء من هؤلاء، وخصوصاً من بقوا في بيروت أثناء الحصار الإسرائيلي لها، أنّ ما يجري في غزة اليوم هو نسخة عمّا جرى في العاصمة اللبنانية قبل 42 عاماً. ومن يرغب في العودة إلى صفحات ذلك التاريخ، فعليه العودة إلى كتاب جون بويكن «ملعون هو صانع السلام». فبين دفّتيه، سيرة الديبلوماسي الأميركي من أصل لبناني فيليب حبيب خلال مهمته الرسمية كمبعوث للرئيس الأميركي رونالد ريغن إلى الشرق الأوسط بين عامي 1981 و1983 وجهوده التفاوضية لإنهاء حصار بيروت عام 1982.

 

قبل أيام، كانت أوساط ديبلوماسية تنقل عن وزراء أوروبيين زاروا تل أبيب ثم زاروا بيروت، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهجوس بالاقتداء بسيرة سلفه آرييل شارون. والأخير، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، كان وزيراً للدفاع الذي هندس غزو لبنان ونفّذه بما في ذلك حصار بيروت حتى تحقّق له إخراج القوى المسلحة الفلسطينية منها وعلى رأسها ياسر عرفات. وينقل مؤلف كتاب «ملعون هو صانع السلام» عن فيليب حبيب وصفه شارون بأنه «أكبر كذّاب على هذا الجانب من البحر المتوسط». ويعود هذا الوصف إلى أنّ مبعوث الرئيس الأميركي رافق كل الجحيم الذي أحرق بيروت بإصرار من سلف نتنياهو.

 

من المفارقات اليوم، أنّ التاريخ يكاد يعيد نفسه. فنتنياهو على خطى شارون. وآموس هوكشتاين هو اليوم في موقع فيليب حبيب. ولا نعلم عن مدى قرابة الأخير مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب. لكنّ ذروة هذه المفارقات أن يهبّ الممانعون انتقاداً للراعي، وألّا ينبسوا ببنت شفة ردّاً على تهديدات خليفة شارون.