بين كيري ولافروف ليس من السهل الاتفاق في لقاء فيينا-٢ على لائحتين يطلبهما الجميع: لائحة المنظمات الارهابية التي تقاتل النظام، ولائحة المعارضين المعتدلين المقبولين للتفاوض معه. ولا من المتوقع حدوث تفاهم على لائحتين يطالب بهما بعض الحاضرين: لائحة المسؤولين المعتدلين في النظام، ولائحة الارهابيين بين الذين جاؤوا من خارج سوريا للقتال الى جانب النظام. فلا المعايير واحدة في التصنيف. ولا كل الحاضرين خارج تصنيف الدول الراعية للارهاب.
لكن هذا، ولو حدث، ليس بطاقة ضمان للتوصل الى تسوية. فهو في الحد الأقصى توزيع بطاقات دعوة الى طاولة التفاوض. وهو في الحد الأدنى تفاهم على الورق يحاول كل طرف تغييره لمصلحته تبعاً لسياسات المصالح الثابتة ومتغيرات المعارك على الأرض. وما أكثر ما تغير منذ جنيف-١ حتى اليوم: من الموفدين الدوليين الى النصوص التي يراد لهم العمل بموجبها. ومن خارطة السيطرة على الأرض الى نوعية المقاتلين في الجانبين، بحيث طغى على مطلب الانتقال الديمقراطي للسلطة واقع التطرف لجهة الاصرار على الخيار العسكري، وظهور الإمارات السلفية والخلافة الداعشية الى جانب الجمهورية المحشورة في سوريا المفيدة.
ذلك ان اللعبة التي يديرها الثنائي كيري – لافروف كاملة الأوصاف في الجمع بين التفاهم والخلاف ضمن الشراكة والصراع. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول إن الأمر يتوقف على خيار روسيا، وهل هو الحل السياسي أم الاكتفاء بدعم النظام، وليس معقولاً أن تطلب من المعارضة قبول قيادة الأسد. ونظيره الروسي سيرغي لافروف يكرر القوم إن اللامعقول هو تركيز أميركا على مصير الرئيس الأسد.
وما جرى هو أن لافروف عمل على التخلص في بيان فيينا-١ من أساس بيان جنيف-١، وهو تأليف هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية. وما يجري هو أن كيري الذي تعرض لضغوط داخل أميركا ومن حلفائها في المنطقة يحاول تعديل بيان فيينا-١ للعودة الى فكرة المرحلة الانتقالية التي تصر دمشق وموسكو وطهران على اخراجها من التداول. فالوثيقة الروسية التي وزعتها موسكو على الدول الممثلة في لقاء فيينا، ثم قالت إنها مجرد أفكار للنقاش بعدما ارتفعت أصوات الاعتراض عليها، هي خارطة طريق لتسوية على قياس النظام والعملية العسكرية الروسية. اذ هي تجاهلت هيئة الحكم الانتقالي لتتحدث عن اطلاق عملية اصلاح دستوري على مدى ١٨ شهراً ثم استفتاء على الدستور واجراء انتخابات رئاسية. وهي حددت سلفاً بشكل مباشر وغير مباشر نوع النظام بأنه رئاسي.
واذا كان الطريق الى فيينا يمر في موسكو بموافقة واشنطن، فإن الطريق منها الى دمشق محكوم بالمرور في طهران والرياض. والكل يقاتل ويحاور في وقت واحد. –