IMLebanon

لعنة الحروب المقدسة واللعب بسلاح المتطرفين

ليس هناك حرب مقدسة، وإن امتلأ التاريخ بحروب أعطيت هذه الصفة من دون أية علاقة لها بالقداسة. واذا كان الرئيس فلاديمير بوتين يحتاج الى تغطية الكنيسة الروسية ودعمها لانخراطه في حرب سوريا تحت عنوان محاربة الارهاب، فان من الخطير واللامناسب استخدام تعبير الحرب المقدسة. واذا كان من الطبيعي أن تظهر مواقف الاعتراض على الخطوة الروسية في مواقع رسمية وشعبية في المنطقة، فان ما يزيد في الخطورة هو تركيز علماء دين مسلمين على روسيا الصليبية الأرثوذكسية في الهجوم.

ذلك ان روسيا المحاربة في سوريا ليست في مهمة ارثوذكسية، ولا حتى في مهمة ايديولوجية كما كانت الحال ايام الاتحاد السوفياتي، فهي في لعبة تخدم مصالحها الاستراتيجية: من فرض الشراكة على أميركا في ادارة النظام العالمي والنظام الاقليمي الى ضمان قاعدة جوية وبحرية ثابتة على شاطئ المتوسط. ومن ترتيب موقع سوريا والحل فيها ودورها هي في اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية في المنطقة الى السعي لرفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب بعدما تحداه بوتين في اوكرانيا.

وخطاب علماء الدين المسلمين هو على العموم ضد داعش والارهاب مع تكرار الاعلان ان الاسلام براء من داعش وجرائمه. لكن الهجوم على روسيا من باب كونها ارثوذكسية، مع ان الاتحاد الروسي يضم عشرين مليون مسلم بينهم مليونان في موسكو وحدها، هو اقتراب من منطق داعش ولعب بسلاحه. فالتنظيم الارهابي يضع قتاله من اجل دولة الخلافة الداعشية في خانة الحرب المقدسة. وكل التنظيمات المتطرفة، من المتطرفين الهندوس في الهند الذين يغتالون المثقفين الليبراليين الى المتطرفين الاسلاميين الذين يمارسون الارهاب ضد كل من يخالفهم بمن في ذلك المسلمون ويفجرون انفسهم وسط المصلين في الجوامع مروراً بما فعله المتطرفون المسيحيون في القرون الوسطى، تعطي القداسة لصراعاتها التي هي عملياً على المال والسلطة والاستئثار.

والحروب باسم الدين هي أخطر أنواع الحروب. فالصراعات على الأرض بالمعنى الجغرافي – السياسي والثروة والسلطة لها حلول أو تسويات في النهاية. وليس للصراعات على السماء حلول أو تسويات لأنها محكومة بالمطلق لدى كل طرف. وأبسط وصفة لإطالة حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن وحرب ليبيا وبقية الحروب هي الاصرار على اعطائها طابعاً دينياً في صراع وطابعاً مذهبياً في آخر.

أليس هذا، مع الأسف، هو السائد في لعبة الصراعات التي دمرت العمران ومزّقت النسيج الاجتماعي الوطني للشعوب؟ أليس ما جعل حلم الربيع العربي كابوساً هو سطو الدولة الدينية والدولة الأمنية على الثورة من أجل الدولة المدنية الديمقراطية؟