IMLebanon

لعبة الفراغ اللبناني في عبثية جنيف – ٣

 الفارق ضئيل جدا بين الخيار والاضطرار في اتخاذ المواقف في الوضع اللبناني المعقد ضمن وضع اقليمي أشد تعقيداً. وليس من المفاجآت لجوء معظم القوى السياسية الى التريث في اعلان المواقف العملية الواضحة من ملء الشغور الرئاسي المستمر منذ ٢٥ ايار ٢٠١٤، بعدما تبنى الدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون في ما بدا مفاجأة معراب. فالتريث تعبير عن ارتباك أو ارتهان أو رهان.

المرتبكون هم الذين كانوا يعرفون ماذا يقولون ويفعلون وأين يقفون على مدى عقود من الصراع بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لكنهم باتوا حائرين حيال التموضع بعد المصالحة أو التكيف مع التفاهم بين اكبر قوتين مسيحيتين. والمرتهنون هم الذين ينتظرون ان يهبط الوحي في وقت ما من عواصم القرار حسب التعبير الشائع. والمراهنون هم الذين يتصورون ان التطورات في حروب سوريا والعراق واليمن هي لمصلحتهم بعد الدخول العسكري الروسي وزيادة الانخراط الايراني المباشر وغير المباشر والصفحة الجديدة بين واشنطن وطهران بعد الملف النووي. وهم ليسوا في عجلة من أمرهم بحجة ان ارباحهم ستكون اكبر في الاستحقاق الرئاسي وسواه بعد شهور.

وليس امام المرتبكين سوى التسليم بأن شيئا من تغيير قواعد اللعبة صار واقعاً لا بد من التأقلم معه. ولا أمام المرتهنين سوى البقاء في المجهول أو الخروج من الارتهان الكامل الى البحث عن هامش لبناني في القرار. ولا أمام المراهنين على تبلور الصورة النهائية في المشهد السوري سوى الانتظار طويلا، بصرف النظر عن كون بعضهم من اللاعبين.

وأقرب مثال أمامنا هو ما يدور من صراع حول مؤتمر جنيف – ٣. أولاً لجهة الخلافات على تسمية وفد المعارضة. وثانياً لجهة التخوّف الفرنسي والسعودي والتركي والقطري من تنازلات وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام نظيره الروسي سيرغي لافروف. وثالثاً لجهة التوسّع الروسي في بناء القواعد الجوية وصولاً الى القامشلي، والنزول الجزئي الأميركي على الأرض مع المعارضين الأكراد في الرميلان حيث موقع لمطار صغير. ورابعاً لجهة تركيب وفد النظام كما وفد المعارضة بما يوحي ان الطرفين ذاهبان الى معركة.

والظاهر ان التحضيرات لتوسيع الحرب أسهل من التحضيرات للبحث في التسوية، وخصوصاً حين تكون المفاوضات عن كثب عبر وسيط يتنقل بين مفاوضين في غرف مختلفة. فالحرب تبدو طويلة العمر. والمفاوضات مرشحة إما للانفراط سريعاً وإما للاستمرار شهوراً في تمارين في العبث.

لكن تعطيل المؤسسات في انتظار تطورات المنطقة صار لعبة خطرة حتى على اللاعبين. –