في الشرق الأقصى ستة لاعبين. أدوات اللعبة الصواريخ العابرة للقارات والقنابل النووية. أما اللاعبون فهم كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، الصين، اليابان، روسيا والولايات المتحدة.
عقدة اللعبة هي انعدام الثقة بين اللاعبين. فكوريا الجنوبية تخشى من ضربة نووية قد توجهها إليها شقيقتها المنفصلة كوريا الشمالية. وهي تعتمد على الولايات المتحدة كقوة ردع. إلا أن الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها دونالد ترامب أعلنت رغبتها في سحب قواتها من كوريا تخفيضاً للنفقات. ولم يغير الرئيس الأميركي من هذا الموقف إلا بعد أن أعلنت كوريا الشمالية أن صواريخها التي تحمل رؤوساً نووية قادرة على إصابة أهداف في كاليفورنيا. وهذا يعني أن الموقف الأميركي في هذه اللعبة لم يعد لمجرد الدفاع عن كوريا الجنوبية، بل لقطع ذراع كوريا الشمالية قبل أن تمتد إلى العمق الأميركي.
وعلى غرار القلق الكوري الجنوبي، فإن اليابان تشعر بالقلق أيضاً من خطر السلاح الصاروخي – النووي في يد كوريا الشمالية. إلا أن القلق الياباني – الكوري المشترك لم يبدد مشاعر الكراهية بين طوكيو وسيول، المستمر منذ الحرب العالمية الثانية والذي قام أساساً على احتلال اليابان لكوريا واستخدام الآلاف من النساء الكوريات للترفيه عن الجنود اليابانيين داخل معسكراتهم (ولا يزال بعض هؤلاء النسوة على قيد الحياة حتى اليوم).
كانت اليابان لمئات السنين رأس حربة بيد الصين إلى أن انقلبت الآية واحتلت اليابان الصين في بداية القرن العشرين. ولكن بعد هزيمة اليابان في عام 1945 إثر الحرب العالمية الثانية، احتلّ الاتحاد السوفياتي السابق شمال كوريا وبقي الجنوب تحت السيطرة الأميركية. فرض الاحتلالان تقسيم كوريا إلى دولتين. وتكرس الانقسام بعد حرب دموية طاحنة توقفت في عام 1953.
الان تريد واشنطن من موسكو أن تلعب دوراً كابحاً للتهديدات النووية التي يطلقها الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ولا شك في أن الكرملين يستطيع ذلك. فروسيا هي مصدر معظم الواردات إلى كوريا الشمالية. وتشكل روسيا مع الصين مصدراً لتسعة أعشار كل الواردات الكورية. ولو أن الصين تلتزم بالقرارات الدولية بمقاطعة كوريا الشمالية لأدى هذا الالتزام إلى اختناقها تماماً. ولكن لماذا تقدم الصين أو روسيا مثل هذه الخدمة الكبيرة مجاناً لكوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة؟ ولماذا تقدمها لليابان التي احتلت الصين قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وتركت فيها ندوباً من التعصب والكراهية لا تزال قائمة حتى اليوم؟
فوق ذلك كله فإن الثقة بين موسكو وواشنطن تتراجع الآن على خلفية الاختلافات بينهما حول قضيتي أوكرانيا وسوريا، وبالتالي فإن موسكو ليست معنية بتقديم خدمات مجانية لواشنطن مباشرة أو عبر حلفائها في الشرق الأقصى.
لقد أجرت كوريا الشمالية 12 تجربة صاروخية في عام 2016 وحده، وأضافت اليها خمس تجارب أخرى هذا العام أيضاً بما فيها تجربة إطلاق صاروخ بعيد المدى من غواصة.
أدى هذا التنامي في القوة العسكرية الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية إلى طرح مبدأ تمكين كوريا الجنوبية من التسلح النووي أيضاً. ولكن لا الصين ولا اليابان تثق بأن هذا السلاح لن يوجَه الى أي منهما في وقت من الأوقات، بسبب المشاعر المعادية المعلنة أحياناً والمكبوتة في الوقت الحاضر ضد الدولتين معاً.. على ما بين هاتين الدولتين، اليابان والصين، من عداء تاريخي لا يزال يملي الكثير من قراراتهما السياسية في شرق آسيا حتى اليوم!
تعرف كوريا الشمالية جيداً أن الدول الخمس في شرق آسيا غير مؤهلة للاتفاق على موقف موحد ضدها. ولذلك فهي تلعب على التناقضات بين هذه الدول. فمرابض صواريخها على الحدود الجنوبية لا تبعد سوى 60 كيلومتراً فقط عن سيول عاصمة كوريا الجنوبية. وقد تمكنت في عام 2010 من توجيه ضربة صاروخية الى غواصة كورية جنوبية بحجة انها اقتربت من مياهها الإقليمية، فأغرقتها بمن فيها، ما أدى إلى مقتل 46 جندياً من بحارتها.
واليوم تُطالب كوريا الشمالية بانسحاب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية شرطاً مسبقاً لأي تسوية سياسية في الشرق الأقصى. وهو مطلب يدغدغ مشاعر كل من الصين وروسيا معاً اللتين تطالبهما واشنطن بالتعاون معها لليّ ذراع كوريا الشمالية. ثم أن ليّ هذه الذراع يخدم اليابان. واليابان على خلاف مع روسيا التي تحتل جزراً يابانية منذ الحرب العالمية الثانية أيضاً.. وهي على خلاف مع الصين التي ضمت اليها مجموعة من الجزر الصخرية في بحر الصين الجنوبي تعتبرها اليابان جزءاً من سيادتها.
وهكذا تتوالى فصول لعبة الأمم في الشرق الأقصى بالرهان على لعبة عضّ الأصابع مرة.. وعلى اللاثقة المتبادلة في كل مرة!