لا شيء يتقدم في عواصم المنطقة والعالم على القراءة في اتفاق فيينا. وليس في القراءات، بصرف النظر عن التسرع أو التأني، سوى قليل من التوقف امام المحتوى التقني للاتفاق وكثير من التبصير السياسي في مرحلة ما بعده. فالقاسم المشترك بين المطمئن والقلق، المرتاح والمتخوف، هو الاقتناع بأن الاتفاق النووي بين ايران والدول الست محطة على طريق التفاوض السياسي بين واشنطن وطهران على النظام الاقليمي. والكل يكرر القول ان ما بعد الاتفاق ليس كما قبله، وان لم نكن اكثر من مطبلين في عرس سوانا وباكين في مقبرة قضايانا.
ذلك اننا نستعجل من لم يكونوا على عجلة من أمرهم في المفاوضات النووية، وليسوا مهرولين نحو طاولة التفاوض السياسي. فلا الأولويات في واشنطن وطهران مطابقة لما نتصوره نحن من اولويات بالنسبة الى الفراغ في لبنان والحروب في سوريا والعراق واليمن. ولا نحن نعرف متى يبدأ التفاوض وحسب اية اجندة وما الذي يخرج منه. حتى الأوضاع الاقليمية المتفجرة التي لا تزال بعد الاتفاق كما كانت قبله، فان التغيير المأمول فيها نحو الافضل يمكن ان يكون نحو الأسوأ.
الواقع ان النقاش في أميركا وأوروبا وايران يدور حالياً بين مدرستين: واحدة يرى أصحابها ان الاتفاق النووي هو فرصة لما سماه الرئيس حسن روحاني العمل البنّاء مع العالم ولما يسميه الأميركان قيام ايران بدور حامل الأسهم المسؤول في النظام العالمي، وبالتالي للاعتدال واستخدام الأموال بعد رفع العقوبات في تحسين أوضاع الشعب الصعبة في الداخل. وأخرى يتصور اصحابها ان الاتفاق، هو على العكس، باب لتوسيع المشروع الايراني في المنطقة وتكبير الهيمنة، وان رفع العقوبات يجعل يد طهران مملوءة بالمال وطليقة أكثر في مساعدة حلفائها.
وما يشغل بال أوباما عشية الامتحانات المتعددة للاتفاق هو مخاطبة منتقديه وخصومه في الكونغرس وفي الخارج بسؤال يحمل جوابه: أي ايران أقل خطراً، ان لم تكن أكثر فائدة؟ ايران المحاصرة سياسياً، المعاقبة اقتصادياً، المندفعة في المشروع النووي وصولاً الى امتلاك القنبلة، المحرّضة على التطرّف، والمنخرطة في حروب المنطقة وأزماتها، أم ايران المنزوعة الأنياب النووية، المنفتحة على الشرعية الدولية، المحاورة لأميركا، الساعية للتنمية الاقتصادية بأموالها التي كانت محجوزة، الراغبة في جذب الاستثمار الخارجي، والواعدة بأكثرية اصلاحية معتدلة في الانتخابات على حساب التيار المتشدّد؟
لا شيء على المدى القصير في لعبة معقّدة على الحدود بين ضرورة العداء والحاجة الى الشراكة.