يجب أن نتوقف عند قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإنسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ولم يكتفِ بذلك بل هدّد بأنه سيضرب سوريا لأنها استعملت الاسلحة الكيميائية.
الحقيقة هنا أنها رسالة ليست الى سوريا وحدها إنما الى إيران أيضاً التي تحاول أن تفرض سيطرتها العسكرية من خلال الحرس الثوري تحت شعار سرقته منذ بداية الثورة في العام 1979 عنوانه «القدس» والذي أدّى الى قيام فرقة من الحرس الثوري سمّي بـ»فيلق القدس»، الذي يترأسه حالياً اللواء قاسم سليماني.
وقبل ذلك قد تحرّش نظام آيات الله بالأميركي باحتلال سفارة واشنطن في طهران الأمر الذي أنهاه تهديد الرئيس رونالد ريغان فور وصوله الى البيت الأبيض إلتزاماً بما كان قد تعهّد به في حملته الرئاسية الانتخابية، إذ ما إن تسلم الرئاسة حتى أخلى الحرس الثوري السفارة، لأنّ نظام «ولاية الفقيه» أدرك أنّ ريغان «لا يمزح»… والآن يبدو أنّ حاكم البيت الابيض دونالد ترامب هو أيضاً ليس من الذين يمزحون عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاميركية الحيوية.
هذا النظام الايراني ينسى أو يتناسى كيف جيء به الى الحكم وكيف كان الإمام آية الله الخميني فارّاً من نظام الشاه محمد رضا بهلوي ومقيماً في العراق، فأخذته أجهزة المخابرات الى فرنسا لكي تحضّره للمشروع الجديد الذي هو الفتنة السنّية – الشيعية، خصوصاً هو لديه مشروع ولاية الفقيه وغايته تشييع العالم الاسلامي… علماً أنّ عدد الشيعة في العالم 150 مليوناً بينما أهل السُنّة عددهم مليار و350 مليوناً.
وبالرغم من هذا الفارق الكبير عرف سيّئ الذكر كيسنجر أن يلعب بالمذهبية بين السُنّة والشيعة لإثارة الفتنة وبالتالي تخريب العالم العربي.
وهذا ما حصل بالفعل، إذ لم يكن قد مضى أكثر من سنة على حكم آيات الله في طهران حتى بادرت إيران الى شنّ الحرب على العراق التي دامت ثماني سنوات، وأدّت الى تدمير العراق وإيران كذلك وعمقت الفتنة بين السُنّة والشيعة، واستفادت إيران في لبنان من الإجتياح الاسرائيلي عام 1982.
في العام 1990 من القرن الماضي، ارتكب صدّام حسين خطأ عمره بدخول الكويت فاستغل الاميركيون هذه الخطأ على نطاق واسع، فدخلوا الى المنطقة، واستمروا 13 سنة قبل أن يغزوا العراق (2003) ثم سلّموا هذا البلد العربي الى إيران، حيث لا تزال تتلاعب به حتى اليوم، وقد عملت ولا تزال تعمل للقضاء على آخر معالم العروبة فيه وهو الذي كان قلعة عربية كبيرة.
إلاّ أنّ هذه الحال لن تستمر، وكل ما يجري في المنطقة، ابتداءً من الضربات التي تتلقاها إيران في سوريا، يوحي بما لا يقبل أدنى شك بأنّ نجم إيران الى أفول، فهذا النظام الذي سرق شعارات وتاجر بها ونجح في تحقيق بعض أهدافه التخريبية بدأ العد العكسي الجدّي، والدلائل كثيرة وتكفي الإشارة الى إحداها وهو ما تلقته في مطار تيفور، من خسائر مادية ومعنوية كبيرة، الى الضربة الشاملة الأخيرة التي لم تستثن موقعاً عسكرياً إيرانياً واحداً إلاّ دمّرته ليس فقط في مجال الأسلحة إنما أيضاً في مجال البنى التحتية العسكرية الايرانية.
وقد سجّل المراقبون العسكريون كيف أنّ عشرات الطائرات هاجمت تلك المواقع العديدة مع التأكيد على حقيقتين: الأولى دقة الهجمات في تحديد الأهداف وإبادتها وقتل مَن فيها… والثانية العجز المطبق لإيران وحلفائها عن تحديد مكان واحد لانطلاق الأسراب المقاتلة وكذلك العجز عن تحديد القواعد التي انطلقت منها الصواريخ التي استهدفتهم.
وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على عدم التكافؤ في تكنولوجيا الحرب بين الجهتين، وقد ثبت للعيان أنّ السلاح الإيراني متخلّف الى حدٍ كبير، وأنه لا يمكن أن تُخاض به معركة واحدة فاعلة في مواجهة مع الاسرائيلي والاميركي اللذين يملكان أحدث تكنولوجيا العصر في المجال العسكري، وطبعاً في سائر المجالات.
وهكذا سيتم إنهاء نفوذ إيران في سوريا… هذا النفوذ الذي تقلّص حالياً عسكرياً وسياسياً الى حد كبير، وهذا سيكون بداية إنهاء الدور الايراني المنفلش، بعد سوريا، في كل من العراق ولبنان واليمن أيضاً، لتعود الى حجمها الطبيعي داخل حدود إيران الطبيعية لا أكثر ولا أقل!..
وعندئذٍ ستبدأ المواجهة الكبرى مع المعارضة الايرانية في الداخل، ما سيشكّل مدخلاً لسقوط هذا النظام الذي انتفخ أكثر من حجمه الطبيعي.
ومن أسف أنّ الشعب الايراني هو الذي دفع وسيدفع الأثمان الكبيرة لسياسة ولاية الفقيه من أمنه ورغد عيشه وزهرة شبابه الذين تزج بهم إيران في أتون الحروب والنزاعات.
عوني الكعكي