ليس لدى روسيا والصين والاتحاد الأوروبي ما يضاهي رصيد أميركا من القوة الصلبة والقوة الناعمة. لكن تجربة الرئيس باراك أوباما على مدى ثماني سنوات أكدت ان التردد في سياسة القوة الصلبة يدفع كثيرين الى تحدّي أميركا مهما تكن القوة الناعمة جذابة. فالرئيس فلاديمير بوتين استخدم القوة الصلبة الروسية في أوكرانيا وسوريا واثقا من ان المواجهة ليست على جدول الأعمال الأميركي. والرئيس الصيني شي جيبينغ بدأ تحدّي واشنطن باقامة قواعد عسكرية فوق جزر اصطناعية، وسط قلق اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين. ولم تقصّر ايران في تحدّي أميركا حتى بعد الاتفاق النووي. والسؤال هو: ماذا يفعل الرئيس دونالد ترامب الذي رفع شعار أميركا أولا فأخاف أوروبا وأصدقاء أميركا في الشرق الأوسط من دون أن يقلق روسيا والصين وايران؟
مدير مركز التاريخ العسكري والديبلوماسي في مبادرة السياسة الخارجية مارك مويار يقترح في مقال نشرته النيويورك تايمس العودة الى سياسة الرئيس أندرو جاكسون في أوائل القرن التاسع عشر والرئيس رونالد ريغان في أواخر القرن العشرين: الاستعداد الدائم لاستخدام القوة أو التلويح باستخدامها. فسياسة أوباما، في رأي مويار خلقت خوفا لدى حلفاء أميركا وأصدقائها، وأراحت الأعداء والخصوم. وعلى ترامب أن يمارس العكس: إراحة الأميركيين وحلفاء أميركا وإخافة الأعداء والخصوم، ضمن توازن بين الخوف والحواجز الايجابية مثل الاحترام والاعجاب.
ولا أحد يعرف كيف يتصرّف ترامب بالفعل. فهو قال لفريق مجلة تايم التي اختارته شخصية العام ٢٠١٦ ان عدم امكان التنبؤ بما يفعله قوة له في المنصب. والأولوية بالنسبة اليه هي ايجاد فرص عمل ل المنسيين الذين شكّلوا قوته الضاربة في الانتخابات. لكن اختياره لمعاونيه يعطي صورة مبدئية. فهم خليط من رجال الأعمال الأثرياء والجنرالات المتقاعدين المحافظين. دور رجال الأعمال هو عقد الصفقات لضمان فرص العمل وتأمين المصالح الاقتصادية الأميركية. ودور الجنرالات هو حماية الأمن القومي بأفضل السبل. والخلاصة هي تطمين الأميركيين الى السهر على الأمن الداخلي، واعادة تطمين الحلفاء والأصدقاء الى أمنهم القومي، واعادة الخوف الى الأعداء والخصوم من قوة أميركا. والمعادلة المفترضة هي: التوظيف والتخويف.
واذا كان اختيار الجنرال مايكل فلين لمستشارية الأمن القومي والجنرال جيمس ماتيس لوزارة الدفاع والجنرال جون كيلي لوزارة الأمن الوطني مؤشرا واضحا الى سياسة القوة، فان اختيار مدير شركة أكسون ريكس تيليرسون حامل وسام الصداقة من بوتين وزيرا للخارجية مؤشر أوضح الى سياسة الصفقات الجيوسياسية.
والمسائل أشدّ تعقيدا من تبسيط ترامب وأفكار معاونيه في الادارة.