بعد الفشل المضاعف للجان النيابية المشتركة في انجاز مشروع قانون للانتخابات النيابية، كان اقتراح تحويل المهمة الى مؤتمر الحوار، وكأنه ينطق بغير لغة النواب ممثلي الاركان، لاسيما ان التفاهم على شكل المشروع قد تقرر على اساس النسبي – المختلط، من غير ان يكون قرار يفهم منه، ان المؤتمر الحواري قادر على اجتراح معجزة من النوع الذي يوصل البلاد الى قانون نسبي صرف، مع العلم ايضا ان النسبي المختلط جاء نتيجة تفاهم بين معظم الاكثرية (تيار المستقبل – القوات اللبنانية – التيار الوطني- اللقاء الديموقراطي) حيث لم يعد هناك من مبرر لمزيد من البحث التعقيدي، اي المزيد من الغموض في المجهول النيابي.
في اعتقاد الرئيس نبيه بري المتكرر ان من الافضل اعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة، فيما هناك من يفضل عليها النسبية، لكن الاجواء العامة تميل الى اعتماد قانون الستين من غير حاجة الى اجتهاد سياسي لا مجال للعمل بموجبه الا في حال تم الاتفاق على النسبية زائد الدائرة الواحدة، وهذا مستبعد تماما نظرا للتعقيدات المذهبية والديموغرافية، ما يؤكد ان مؤتمر الحوار لن يصل الى نتيجة بل الى تكريس امر واقع اي قانون الستين؟!
لماذا مؤتمر الحوار الذي يقدم ما يفهم منه ان مجالات الانتخاب تحتاج الى القانون المألوف الذي يأخذ من الجميع من غير ان يجسد مكاسب لمصلحة احد، خصوصا ان مؤتمر الحوار قد يؤدي تلقائيا الى مؤتمر تأسيسي يحتم تغيير المعادلات الدستورية القائمة على المناصفة، وهذا ما يشجع الطائفة الشيعية على الاخذ به، من غير حاجة الى نزاع على السلطة التي لا بد وان تشكل ثلاثة ارباع المشكلة الطائفية، اي ان الامور ستتجه الى المثالثة شاء من شاء وابى من ابى، اضف الى ذلك ان تركيبة الدولة لا تسمح بمرور قوانين تتعارض مع اتفاق الطائف الذي نص على المناصفة بعدما كانت الحروب غاية سياسية امكن الاتفاق حولها.
من هنا يفهم المؤتمر التأسيسي الذي قد يحل نصف المشكلة بالنسبة الى الانتخابات النيابية من غير حاجة الى اعتماد النسبية بما في ذلك الدائرة الواحدة، حيث تكون الطائفة الشيعية قد وصلت الى ما يحقق الغاية المرجوة من المثالثة، اضف الى ذلك ان الطائفة السنية قد لا ترفض المثالثة على اساس ابقاء المسيحيين في نطاق لا يسمح لهم، الا بحال من تقاسم السلطة مع السنة او الشيعية.
هذه ليست مجرد تصورات يفهم منها ان مؤتمر الحوار الوطني يمكن ان يصل الى اي خطوة تصحيحية في مجال تحديد ماهية الحكم ومن يتولى السلطات التنفيذية والتشريعية بعكس ما هو حاصل الان جراء النزاع حول من يتولى العمل التصحيحي، اي المؤتمر التأسيسي الذي يحتم على الجميع تقديم تنازلات، فيما لا مجال امام الشيعة لان يتنازلوا عن المكاسب التي يتطلعون اليها، قياسا على ما يمكن ان يطرأ في المستقبل المنظور طبعا بعد تمرير قانون الانتخابات النيابية الذي يرى بعضهم ان من الافضل والاسلم عاقبة ان تبقى الامور على ما هي عليه، من ضمن تمرير اتفاق الستين؟!
ويقال في هذا الصدد ان الحل الامثل يبقى من ضمن النسبية – المختلطة بشكل يوفر المزيد من التعقيدات على السياسيين وعلى البلد في آن، بحسب اجماع من سبق له ان طرح المثالثة كحل من غير ان تحقق له غاية الاستمرار في السلطة، اضف الى ذلك مجالات التفاهم السياسي منعدمة للغاية طالما ان عقدة بحجم مديرية امن الدولة لا تزال عالقة وليس بوسع احد القول اننا في دولة تحترم قوانينها الوضعية.
واذا سلمنا جدلا بأن لا مجال امام الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية، بعدما تبين ان ثمة اصرارا على ضرورة اجراء ما له علاقة بالانتخابات الرئاسية، ستبقى الامور في نطاق الدوران في حلقة مفرغة تمنع الجميع من ان تكون السلطة غاية في حد ذاته من دون حاجة الى القول ان السياسيين يمكن ان يتفاهموا على اي حل ممكن عندما يحين اوان تخطي اللعب على الالفاظ حيث يكون الجميع في حال من التشتت بالنسبة الى مختلف الامور العالقة بالانتخابات الرئاسية او تلك المتعلقة بالانتخابات النيابية!
المهم من وجهة نظر من يرفض المؤتمر التأسيسي هو توزيع حصص الحكم بالشكل القائم حاليا كي لا يقال ان الميثاقية قد تأثرت بقوة السلاح غير الشرعي او السلاح العددي الذي لا بد وان يستخدمه البعض لفرض وجهة نظره، قياسا على كل ما يطرأ من مستجدات يصعب التفاهم عليها بالوسائل السياسية التي تعني الجميع طالما ان لائحة المطالب تقتضي تفاهم الحد الادنى من جميع اللبنانيين؟!