موازين القوى في حرب سوريا ليست بالطبع معزولة عن الحسابات الاستراتيجية لكبار اللاعبين في المنطقة والعالم. والتبدلات التي حدثت وتحدث فيها، بصرف النظر عن حديث المفاجآت، ليست فقط حصيلة تطور المعارك على الارض ضمن الميكرو عسكري بل ايضا صورة تعكس ادارة الحرب من فوق ضمن الماكرو سياسي. وموازين المصالح في لبنان المرتبط بحرب سوريا وما تنتهي اليه ليست مجرد انعكاس لموازين القوى. والتداخل كامل الاوصاف بين المحلي والخارجي في كل هذه الموازين. لكن شيئاً ما يوحي ان سوريا تتجه نحو اللبننة، وان لبنان يتجه نحو السورنة.
كيف؟ سوريا التي نصف شعبها نازح والنصف الآخر رازح تحت أهوال الحرب، تواجه سؤالا واقعيا: هل تفرض الوقائع الميدانية الانتقال من سياسة اللعبة الصفرية الى سياسة التقاسم الواقعي؟ ولبنان الذي قام على التسويات وعاش على تقاليد المشاركة يواجه اليوم محاولات لدفعه نحو نوع من سياسة اللعبة الصفرية.
ذلك ان ما جعل حرب سوريا تطول هو الحرص على ذهنية اللعبة الصفرية رابح – خاسر حيث كل الربح لطرف وكل الخسارة للطرف الآخر. النظام اختار الحل العسكري وسعى لحسم الحرب بحيث يكون هو الرابح الوحيد. والمعارضون ذهبوا بعد أشهر من التظاهر السلمي الى الخيار العسكري ضمن حسابات الربح الكامل باسقاط النظام. حتى في الحل السياسي، فان ما أراده النظام هو الربح الكامل بالحفاظ على تركيبته مع اعطاء جوائز ترضية في الحكومة للمعارضين. وما اراده المعارضون عبر تفسيرهم ل هيئة الحكم الانتقالي هو ربح كل شيء بتغيير النظام.
لكن الطرفين اصطدما بالعجز عن الحسم العسكري وبصعوبة التفاهم على الحل السياسي. ثم دخل عامل داعش والنصرة الى المسرح بما زاد من تعقيد الوضع، بحيث صارت اللعبة تدور على التقاسم الواقعي للأرض واقامة أقاليم داخل سوريا ضمن صيغة رابح – رابح. والخاسر هو البلد والشعب.
وعلى العكس، فان ما يراد للبنان هو الذهاب في اتجاه آخر. وليس هناك قراءة واحدة في الأهداف من وراء معادلات الإملاء السياسي التي طرحها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. ولا بالطبع في معركة الأولوية المطلوب فرضها على جدول الأعمال في مجلس الوزراء قبل مناقشة أي بند، ولو طالت اجازة الحكومة. لكن الترجمة العملية هي ان يتكيّف بلد التسويات مع اللعبة الصفرية، ولو كان الربح الكامل لفريق واحد في مواضيع محددة.
وليس من السهل أن تخرج سوريا من اللعبة الصفرية، ولا أن يدخل فيها لبنان