IMLebanon

الثغرات التي افقدت عون قوة الدفاع عن الصلاحيات

عوامل عديدة حدت من تحرك واسع وحاشد لمناصري التيار الوطني الحر يوم الأول من امس اثر دعوة النائب العماد ميشال عون لهم للنزول الى محيط السراي الحكومي في خطوة ضاغطة على رئيس الحكومة تمام سلام بعد الخلاف الظاهري الحاصل مع التيار الوطني الحر على خلفية خرق آلية العمل الحكومي بالتفاهم المتعلق باستعمال صلاحيات رئيس الجمهورية المناطة وكالة بالحكومة نتيجة الفراغ الرئاسي.

ورغم ان الدينامية المذهبية المسيحية اقل حماسة من تلك المتوفرة لدى كل السنة والشيعة وحتى الدروز، على ما دلت الوقائع على وقع تطور هذه الديناميات المحمدية، لكن كان من المفترض ان تأتي ردة الفعل لتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي اوسع مما كانت عليه، سياسياً من جانب حلفاء عون الذين خذلوه ودل على ذلك الموقف الواضح لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وشعبيا من خلال عدم التجاوب المسيحي مع رئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية، في مطلبه المحق لا سيما ان مثل هكذا خرق او تجاوز لصلاحيات رئاسة الحكومة كان سيستدعي ردات فعل من كافة سياسيي الطائفة السنية عدا عن التعبير الشعبي، والى ذلك يبقى الأساس ان تحرك مناصري التيار الوطني الحر تلبية لدعوة زعيمهم عون جاء اقل مما كان متوقعاً ان يكون في مثل هكذا مناخ من التوتر والاحتقان الذي يلهب مشاعرهم على وقع خطابات «الجنرال».. اذاً لماذا لم يكن الحشد العوني اوسع مما كان متوقعا له ان يكون في مثل هكذا حال سبقتها تحضيرات واجتماعات قيادية معظمها ترأسها عون او اشرف على مسارها في الاسابيع والايام الماضية؟

الجواب لدى المحيطين بالعماد عون، أنه كان تلقى عشية الجلسة تطمينات ووعوداً بأن الحكومة ستعقد اجتماعاً تؤكد خلاله الحفاظ على التفاهم الذي وافقت عليه كافة القوى الوزارية حيال كيفية التصرف بصلاحيات رئاسة الجمهورية، على ان يستتبع التأكيد على هذا التفاهم السابق رفع الجلسة الى مرحلة لاحقة بهدف تنفيس الاحتقان. ولذلك لم يعلن عون حالة الاستنفار الواسعة في التيار، بل اراد الحفاظ على وتيرة تحرك بالتوازي مع مسار التسوية حتى انجلاء الامر بوضوح في جلسة الحكومة، لاعتبار حسب المحيطين بأنه من غير الطبيعي ان يظهر وكأنه تراجع سريعاً امام التسوية، لكن في قناعته انها لن تحصل استناداً الى رهانه على «نوايا» الأخصام داخل الحكومة.

لكن عون يتابع المحيطون فوجئ بالسجال الذي حصل بين الرئيس تمام سلام وبين الوزير جبران باسيل، على ما نقله الاعلام، فاعتبر عندها ان «فخاً» قد نصب للتيار، فطلب عندها من مناصريه التوجه الى محيط السراي الحكومي، في حين تبلغ من الوزيرين جبران باسيل والياس بوصعب أن «الامور مش ماشية» وثمة منحى للانقلاب على التفاهم الذي رعاه وزراء «حزب الله» قبل يوم من الجلسة، ولذلك انتقل المناصرون الى «سوليدير» في خطوة اولية من اجل ممارسة الضغط، واراد عون من ذلك اعطاء رسالة انه مستعد ان يذهب بالمواجهة الى النهاية وينقلها من المناطق المسيحية لتطال مصالح تعني قيادات تيارالمستقبل وفريقه السياسي في العاصمة.

فاقتصر التحرك على الطلاب فقط، يكمل المحيطون، لكن الخطة التي كانت ستطال مبنى (TVA) ومجلس الانماء والاعمار وعدة مؤسسات اخرى، عدل عن توجيه المناصرين اليها لدى تبلغه بالاتفاق وهو الذي جعل التجمع امام غرفة العمليات في مبنى الشالوحي، محصورا فقط في قطاع الطلاب الذين تبع بهم عدة نواب وقيادات بهدف تزخيم هذا التحرك سياسياً، وفي هذا الوقت كان عون يستنفر مناصريه في غير مناطق للتحرك، الا انه تبلغ من باسيل ان التفاهم قد حصل لصالح التيار الوطني الحر، فعاد عون وجمد تحرك مناصريه… ولذلك كان هذا التعبير حسب المحيطين محدوداً وليس ضعيفاً.

الا ان عوامل عدة ايضا ساهمت في الحد من تلبية دعوة عون وتكوين تحرك اوسع وضاغط للتيار الوطني من خلال مناصريه، على ما يرى مسؤولون في التيار الوطني الحر، معارضين لباسيل وكذلك مراقبين للواقع الداخلي لهذا الفريق، وتتوزع وفق التالي:

1- ان تصرف الرئيس سلام لم يشكل استفزازاً للمسيحيين وان جاء اداؤه تجاوزاً لصلاحيات رئاسة الجمهورية، اذ هو يصنف مسالما وغير متطرف.

2ـ ان العلاقة التي كانت بين رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري وبين العماد عون في سنتها الأولى الى ما بعد الاحتفال ببيت الوسط بعيد ميلاد الاخير، كانت جيدة بين تياري المستقبل والوطني الحر، لا بل ان العلاقة الاجتماعية بين مقربين من الرجلين وصلت الى ما فوق العادة في مدة زمنية ضيقة، وبات الحلفاء يعتبرون أن ثمة «ورقة تفاهم اقتصادية» ستجمع بين اركان الجانبين تضاهي قوتها مضمون ورقة التفاهم مع «حزب الله»، ولذلك تتابع الاوساط، لم تكن الحماسة متوفرة ضد تيار المستقبل، وبات من غير السهل على عون تحريك انصاره في الشارع نتيجة تحول سريع غير مقنع.

3ـ رغم حماسة كافة التيار الوطني ومناصريه لتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش اللبناني، فان المطالبة المحقة من جانب عون للدفاع عن صلاحيات رئاسة الجمهورية، اندرجت في خانة ردة الفعل عند مناصريه ومؤيديه ولم تأخذ البعد المسيحي الصرف، بأن الطائفة السنية تتعدى على حقوق المسيحيين في السلطة بحيث لم تدفع المناصرين والمحازبين للتوافد تلبية لدعوة عون.

4ـ ان الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي الذي يرخي بثقله على جميع المواطنين والقطاعات كان حافزاً سلبياً ضدّ عون، بحيث ان الجمود انسحب ايضاً على الدينامية الحزبية والنشاط في هذا الحقل.

5ـ كان لانتخابات التيار الوطني الحر دور مؤثر في هذا التحدي الشعبي الذي اراده زعيمه عون، لكن اتساع حالة الاعتراض لدى قواعد وكادرات ناشطة على نتيجة الانتخابات منذ اليوم، نظراً لمعالمها الواضحة، على حساب المناضلين كان لها دور سلبي، من خلال عدم حماسة هؤلاء للتحرك بعد ان بات واضحاً لهم أن المقاعد والمسؤوليات الذهبية بعيدة المنال واحتمال تبوئهم لها مستبعد، لصالح فريق الوزير باسيل داخل التيار.

والى ذلك فان ميزان الربح يميل الى عون في المحصلة السياسية، بعد ان تمكن من دون حلفائه، ان يقود مواجهة الدفاع عن صلاحيات رئاسة الجمهورية واعتبار ما تم خرقه مخالفاً للتفاهم بين القوى الحكومية، رغم ان التحرك الشعبي كان مخيباً قياساً الى ما دأب عليه هذا التيار من تحريك واسع لقواعده، لكن انقاذ وزير الداخلية نهاد المشنوق لباسيل من دائرة السجال الذي باشره مع سلام وارساء التفاهم الذي شارك فيه كل من الوزراء علي حسن خليل، وائل ابو فاعور و«حزب الله»، شكل ربطاً للنزاع الى ما بعد شهر رمضان من اجل خوض عون لمعركة على قاعدة رفعه شعارات سياسية خالية من طموحه الرئاسي وحتى ترتيب علاقاته مع حلفائه واعادة تقييم وقراءة ما حصل مع التيار وما يحصل في داخله..

ومقاربة عون دفاعه عن حقوق المسيحيين وصلاحيات رئاسة الجمهورية، من خلال التحرك الميداني، تشكل اول خطوة مسيحية في هذا الحقل لم يقدم عليها سواه منذ عقود، وهي خطوة تحمل بعدين، واحد ايجابي لكون الرئاسة بصلاحياتها المتواضعة هي ضمانة للمسيحيين وعليه ان يساهم بانتخاب رئيس بعد اسقاطه في مؤتمره الأخير لطموحه، والثاني سلبي المنحى لكون هذه الخطوة تضع المسيحيين في مواجهة الطائفة السنية وهو ما سيفتح الباب على مطالبة غير طوائف بحقوق عدا عن ردات الفعل المذهبية التي سترتبها هكذا مواقف في مثل هكذا مواجهات تشهدها المنطقة، بحيث ان مطلب عون المحق يجب الا يدخل المسيحيين في مواجهة مشرقية مع ابناء الطائفة السنية في وقت تتفاقم الحرب المذهبية بين السنّة والشيعة بما تحمل من تداعيات لا يستطيع المسيحيون تحملها… وكل ذلك يحصل تحت سقف استمرارية الحكومة لكونها مطلب وحاجة داخلية ودولية.