Site icon IMLebanon

كيس الزبالة عرّى السياسيّين

من يستمع الى وزراء في الحكومة يؤكدون أن حلّ مشكلة النفايات لا يكون إلا في السياسة، يتأكد له أن ثمة خلافاً ما بين المتقاسمين تلك الجبنة، سياسية كانت أم مالية مصلحية. وهذه الحصص المتنازع عليها حاليا، كانت شركة قبل ذلك، لذا لم يعترض أحد. أما وقد تفرق العشاق، فتبذل الجهود لاستيلاد “سوكلينات” جديدة ترث الرجل المريض.

وكما يتحدث الشيعة عن مؤتمر تأسيسي لزيادة حصتهم في السلطة، بما يشبه المثالثة، من دون التجرّؤ على تسميتها، في محاولة منهم، ومن بعض “أهل السنّة”، لتقاسم الحصة المارونية التي كانت مضخمة بالشكل في زمن مضى، من دون صلاحيات ومكاسب فعلية، يطمح كثيرون اليوم الى تقاسم ورثة الرئيس رفيق الحريري في السياسة، كما يعملون على تقاسم الحصص التي أشرف الحريري الأب على توزيعها في مشاريع اقتصادية ومالية، هدفت أصلاً الى توفير خدمة أو خدمات سريعة ومتقدمة من دون الدخول في متاهات الروتين الاداري القاتل، فإذ ببعضها يتحول مع الوقت ممالك وإمارات مالية ينظر اليها بعين الحاسد.

ولا يقتصر الصراع على خصوم التيار الأزرق، بل يطمح كثيرون من داخله أيضاً الى وراثة “سوكلين” ومؤسسات أخرى، صمدت بسبب الخدمات التي قدمتها، وآثارها جلية، رغم كل التكاليف، أو بسبب الرشى التي وزعتها إرضاء لهذا أو ذاك.

أما وقد وقعت واقعة الزبالة، فقد انكشفت حقائق كثيرة، وتعرى سياسيون كثر، دافعوا عن “سوكلين” ام تهجموا عليها، ويكفي أن يقول وزير إن فريقه أقصي عن إدارة ملف النفايات منذ التسعينات، للدلالة على الحسرة التي يشعر بها ذاك الفريق الذي أبقي خارج جنة “سوكلين” وأخواتها.

أكياس الزبالة التي عرّت السياسيين، وكشفت عجزهم عن توفير الحلول، وأكدت أن كل شيء في لبنان يحل بتوافق السياسيين، فاذا ما اختلفوا تعرقلت الأمور في التعيينات وفي التشريع وفي القرارات الوزارية وصولاً الى تأليف الحكومات وانتخاب الرئيس. واذا ما اتفقوا، ولاتفاقهم معنى آخر وأحياناً روائح كريهة، مضت الأمور في أحسن حال.

قال لي والدي يوماً عن المقاولين في لبنان انهم ضحية فضحكت. وشرح لي: “المقاول يأخذ مشروع بألف ليرة مثلاً، وفيه هامش ربح يبلغ 250 ليرة، لكن توقيع المعنيين عليه لمباشرة العمل يستنزف منه نحو 400 ليرة. فكيف يمكن ان ينفذ المقاول مشروعاً بـ750 ليرة ولم يتبق له إلا 600 ليرة؟ عندها ينفذ المشروع دون المواصفات المطلوبة. وهكذا يكون ضحية النظام القائم”.

وعمل المقاول نموذج مصغر لعمل الدولة، التي تُسرق أموالها من مجموعة حاكمة تجدد لنفسها بقانون انتخاب يضمن التوارث السياسي، واستمرار المصالح المالية.