أزمة النفايات كشفت كل شيء في لبنان، من حيث كان الأمر العادي ايجاد مطامر لها. ولا فائدة من دعوة الحكومة الى تحمل المسؤولية أو الاستقالة. فهي حكومة منتهية الصلاحية، مع انها تملك نظرياً صلاحيات غير عادية، ولا تستطيع أن تقرر ولا أن تستقيل. وهي حكومة ممثلين لمرجعيات تتصرف كأنها أنصاف آلهة مشغولة بالقضايا الاستراتيجية الكبيرة عن قضايا الناس. وأبسط ما ينطبق على رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء المحكومين بظروف تتجاوز ما سمي ربط نزاع هو القول الشهير عن المسؤولين المكبلين بالقيود انهم في المنصب لا في السلطة.
ولا مبرر للتصرف كأن النفايات هبطت على لبنان فجأة من كوكب آخر، وللحيرة حيال ما نفعله بها. فالمدن والبلدات والقرى في كل المناطق وجدت حلولاً للنفايات على مدى مئات السنين قبل سوكلين. ولا يبدل في الأمر كون المعالجات ارتجالية أو بدائية أحياناً، لأن ما حدث منذ الانذار في الشتاء الماضي باغلاق مطمر الناعمة في تموز كان اهمالاً وتقصيراً ثم ارتجالاً. حتى الخطة التي وضعها وزير الزراعة أكرم شهيب مع لجنة خبراء، فان البحث عن المطامر لتنفيذها كان مسلسلاً من الارتجال.
لكن الأقسى هو ما كشفته أزمة النفايات في المجتمع. فهي عرّت العصبيات الطائفية والمذهبية من الغلالة الرقيقة التي كان الحرص عليها في الخطاب من لزوميات التكاذب المشترك. وكشفت ما لم تكشفه الحرب بشكل كامل، وهو الحواجز النفسية الفاصلة بين المناطق. فلا نحن أجزاء من بلد واحد. ولا نحن نتقبّل ما يفرضه العيش حتى في مساحة جغرافية.
وليس جديداً ان يتنافس ثم يتعاون السياسيون على ترتيب الحصص في كعكة المشاريع، حيث اختفت المسافة بين المال والسلطة. الجديد هو اكتشاف منجم ذهب في الزبالة. والجديد أيضاً هو انكشاف عجز الزعامات عن قيادة جمهورها على طريق الحد الأدنى من المصلحة الوطنية في معالجة أزمة وطنية كارثية. ولا فرق سواء كان السبب هو خواء بعض الزعامات أو ازدواجية المواقف.
والنتيجة، في ما يتخطى أزمة الزبالة الى كل الأزمات التي تتخبط بها، هي سقوط النظام المركزي أو عجزه عن مواجهة التحديات التي تبدأ بالشغور الرئاسي ولا تنتهي بالفراغ وتعطيل المؤسسات. والأفظع هو سقوط اللامركزية التي كانت حلماً. فالمناطق قدمت أسوأ نموذج للامركزية اذا جرى تطبيقها. إذ سنجد أنفسنا في مناطق لا شيء يجمع بينها، ان لم تكن متحاربة، بدل أن تتنافس على الخدمة الجيّدة.