الى اي مدى يمكن للواحد منا ان يكون سودواوياً حين يستعيد كلاماً من «الكوميديا الالهية» لدانتي من اجل وصف الحالة اللبنانية «رأيت في اروقة الجحيم بشراً لا يعيشون ولا يموتون».
قد يكون الروائي الاميركي دوغلاس كينيدي اقرب الى الواقع «لا تدري هنا ما اذا كنت في الفردوس ام في الجحيم». حتماً، انت في لبنان الذي فيه كل تناقضات الدنيا مثلما فيه كل تناقضات الآخرة..
وكان السفير الفرنسي باتريس باولي يقول «في اوروبا تقول الخرافة ان الكرة الارضية تقف على قرن ثور، قبل ان نكتشف ان الشرق الاوسط هو الذي يقف على قرن ثور، لا بل انك تكتشف ان لبنان هو الذي يقف على قرن ثور».
هذاما ينقله مرجع سياسي عن باولي الذي قال احد اسلافه «ان لبنان ينتج اللبنانيين». بتطبيق الحال قبل ان تظهر هيفاء وهبي ومايا دياب ومريم كلينك، والا لقال: «ان لبنان ينتج اللبنانيات».
احد السياسيين يسأل غاضباً ما اذا كان لبنان لا يزال للبنانيين ام ان اللبنانيين باتوا اللاجئين الوحيدين في لبنان. الآن، العماد ميشال عون يوزع المناشير في باحات الكنائس (دولة الجنرال ام نيافة الكاردينال) توخياً للشراكة، شراكة من مع من، وهو الذي يدرك، ربما قبل غيره ان اللبنانيين كلهم ضحايا لان الشراكة تليت بين المسلمين والمسيحيين بل بين ملوك الطوائف وعرّاب المافيات.
ليحاول احدكم ان يسأل الديبلوماسيين الاوروبيين، بوجه خاص، تعليقهم حول وضع الكهرباء، احدهم يختزل كل الاجوبة «حيثما لا كهرباء دولة». الكهرباء تأتي في اوقات متقطعة، اذا، اللبنانيون يعيشون في دولة متقطعة، اقطاعيات على الطراز الاوروبي الذي كان شائعاً في القرون الوسطى…
كما لو ان المسيحيين، اقطاب المسيحيين او اكثرهم على الاقل، ليسوا ضالعين في ذلك النوع من الشراكة، فهل حقاً ان ثمة قيادات سياسية تتقاضى مخصصات شهرية من الخارج كي يبقى ملف التنقيب عن النفط والغاز مقفلاً، ودون ان يتنبه احدهم الى ما قاله مستشار في صندوق النقد الدولي من ان ديون لبنان تصعد، وتتصاعد، دون هوادة، الى الرقم 100 مليار دولار، آنذاك لن نعثر على ذلك الشيء الذي يدعى لبنان…
اي شراكة، ايها السيد الجنرال، على ابواب الكنائس (ما دخل السيد المسيح في الأمر؟)
حيث تكون في جمهورية تحدث فيها الانهيار، وتحدث فيها الثلوج، ودون ان يكون هناك الحد الادنى من الرؤية الاستراتيجية، ومن المسؤولية الاستراتيجية، التي يفترضها منطق الدولة كما تفترضها فلسفة الدولة؟
لا نشك في ان الجنرال قرأ ما قاله الجنرال شارل ديغول لأحد وزرائه بيزاني “Il faut se souvenir de l’avenir”، فأي مسؤول عندنا، الا القليل القليل، الذي يأخذ بالاعتبار ان المستقبل ضرورة اخلاقية وضرورة سياسية، ويفترض استذكاره على انه حالة نعيشها أو حتى عشناها كما يقصد الرئيس الفرنسي، مع اقتناعنا اننا اذا ما اختلفنا مع العماد عون حول أشياء وأشياء، فهذا لا يحجب الحقيقة بأنه رجل ضد الفساد ومع الناس، وان كانت الشائعات، وربما الحقائق، تلاحق الضالعين في من يعتبرون من سَدَنَة الهيكل، هيكل الجنرال…
قد تستطيع الطبقة السياسية تغطية الفضائح، وتغطية الصفقات، وتغطية الموبقات، وتغطية المصائب، وحدها صناديق القمامة تحولت الى أصابع اتهام لقتلت ذلك اللبنان الذي قيل لنا انه الفردوس ليتبين لنا انه جهنم. لا داعي لاستعادة الكوميديا الالهية..
الآن، أكياس القمامة هي الناطق (الاخلاقي والاستراتيجي) باسمنا لأنها تغرز اظفارها في ضمير من خلوا من اي ضمير سياسي..
هذا شعب دحر اسرائيل، وهذا شعب كل ما فيه ينطق بالابداع، لكنه يفتقد ثقافة الاعصار، ما المشكلة اذا كانت ثورتنا ثورة القمامة، لا ثورة القرنفل ولا ثورة الياسمين!!