ليس خارج المألوف أن تتحكّم المحاصصة تحت الطاولة بالنقاش والقرار واللاقرار فوق الطاولة في مجلس الوزراء، لا في ملف النفايات. ولا في ملف النفط والغاز ولا في أي ملف بدءاً من التعيينات مروراً بالتلزيمات وصولاً الى ما تيسّر من النثريات. فالحكومة رأت النور بالمحاصصة بعد شهور طويلة من العراقيل ورفع السقوف والتلويح بالأصابع وتحذير الذين لا يسلمون بالشروط من الندم. وعندما تحدث الرئيس تمام سلام عن حكومة مصلحة وطنية، فانه كان يشير الى دور الحكومة في مرحلة محدودة تنتهي بانتخاب رئيس للجمهورية. لكن القوى الاقليمية والدولية التي سمحت بتأليف الحكومة كانت تعرف انها مرشحة للبقاء طويلاً في مرحلة شغور رئاسي. وهي أبلغت من يجب أن يعرف ان هذه الحكومة هي كل شيء الى أن تتبدّل الظروف.
والظروف لم تتبدّل. وكان على مجلس الوزراء أن يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بالاضافة الى صلاحيات الحكومة. ولا أحد يجهل كيف تعذر بدء العمل في اجتماعات مجلس الوزراء الى أن جرى التسليم بأن تكون القرارات بالاجماع أو لا تكون. وليس هذا ما كان يدار به مجلس الوزراء حتى بوجود رئيس للجمهورية. فهو أسلوب تحكّم بأكثر مما هو أسلوب حكم. وهو يفرض على المجلس أن يعمل على طريقة القوافل في الصحراء. فالقافلة محكومة بأن تسير حسب سرعة الأبطأ والأضعف، وإلاّ كان عليها التوقف. وادارة السلطة بهذا الشكل في غياب الرئيس يمكن تحمّلها لأيام أو في الحد الأقصى لأسابيع. أما اذا طالت، كما هو حاصل، فانها تصبح مغامرة خطرة وخطيرة مثل السير على حبل رفيع فوق أرض تشتعل، لا أحد يضمن عدم الوقوع عنه.
أليس ما يشغل الجميع في الداخل والخارج هو الحرص على ألاّ تفرط الحكومة لأي سبب، ولو بالوقوف على خاطر كل وزير ومزاج كل مرجعية له؟ أليس أكبر انجاز هو تمرير قطوع من هنا وقطوع من هناك، فاذا نجونا من خطر ورأينا مجلس الوزراء يوافق على مشروع، تصرفنا كأننا نشهد معجزة ربانية؟
لا فائدة بالطبع من تكرار الدعوات الملحّة الى انتخاب رئيس. فلا الرئاسة وراء الباب، وسط اختلافنا على المطلوب في الرئيس وهل هو عضلاته أم عقله، واختلافنا حتى على من يمسك بمفتاح الباب، وهل هو في الداخل أم في الخارج. ولا الجمهورية بخير، حيث الفراغ مصنوع والبحث عن تحسين شروط العيش السياسي فيها ممنوع. وكلما كبرت وتعددت الأخطار على لبنان، استمر الاندفاع في معالجة الواقع التراجيدي بسياسة مسرح العبث.
الحالة زبالة يا سادة.