قبل انتهاء المهلة الرسمية لعملية الاستكشاف والتنقيب في حقل”قانا” في البلوك 9 المحدّدة بـ 67 يوماً، بنحو 20 يوماً، والتي تقوم بها شركة “توتال” الفرنسية من خلال منصّة الحفر “ترانس أوشن بارنتس” وذلك منذ 24 آب الفائت، وقبل وصول الحفر الى عمق 4200 م. على ما يُفترض، تسرّبت معلومات عن أنّ “لا غاز في البلوك 9″، وبالتالي عن وقف “توتال” عملها في البلوك المذكور ومغادرتها الى قبرص للعمل في أحد حقولها النفطية… الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول حقيقة هذه التسريبات في وقت سابق لإعلان نتيجة الحفر في أواخر تشرين الأول الجاري، وفي الوقت الذي جرى فيه التأكيد عن عدم تأثير “حرب غزّة” في عمل “توتال” في المياه البحرية اللبنانية في الجنوب… وإزاء هذه المعلومات المفاجئة التي لم تتبنّها بعد الجهات الرسمية المعنية، أكّد وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض أنه “لا صحة للخبر الذي يتم تداوله عن عدم اكتشاف مكمن للغاز في البلوك رقم 9، ونحن في انتظار نتائج الفحوصات”.
والى حين صدور إعلان رسمي يؤكّد أو ينفي اكتشاف غاز ونفط في البلوك 9 الذي قيل انّه يُمكن أن يحتوي على 4.4 مليار قدم مكعّب من الثروة النفطية، وهو ما شجّع شركات النفط على الحفر فيه، أبدت أوساط ديبلوماسية مواكبة لملف البترول لجريدة “لديار” دهشتها لما جرى التداول به أخيراً، مشدّدة على أنّ “دفّة النتائج الإيجابية كانت متوقّعة أكثر من أي نتائج سلبية، في عملية حفر البئر الأولى في حقل “قانا”، بعد كلّ الكلام الذي قيل على لسان الخبراء و”كونسورتيوم” الشركات (أي “توتال” “وإيني”و “نوفاتيك” قبل أن تحلّ محلّها “طر للطاقة”) عن أنّ هذا الحقل واعِد. ولو لم تكن النتائج الأوّلية مشجّعة، لما كان هذا التحالف نفسه، تقدّم بطلب الإشتراك في دورة التراخيص الثانية لتلزيم البلوكين 8 و10. ولكن اختياره أيضاً لهذين البلوكين الحدوديين مع “إسرائيل” دون سواهما من البلوكات المتبقية ولا سيما البلوك 5 الذي يُقال إنّه من أكثر البلوكات المحتمل وجود مكامن للغاز والنفط فيه، يُثير أيضاً بعض الريبة.
وتساءلت: ألا يطرح اختيار كونسورتيوم الشركات نفسه للبلوكين 8 و10 تساؤلات حول أنّ الهدف منه هو وضع اليدّ أو السيطرة على جميع البلوكات الحدودية مع “إسرائيل” لإصدار النتائج التي تتناسب مع الظروف، ولتأجيل العمل فيها لسنوات إضافية مقبلة، إذ لم يحن بعد اتخاذ القرار الدولي باستعادة لبنان لعافيته؟ علماً بأنّ اكتشاف الغاز والنفط في أي من البلوكات اللبنانية في الوقت الراهن، يعني قدرة لبنان على النهوض سريعاً من أزمته المالية والإقتصادية، كما على استغنائه عن مساعدات صندوق النقد الدولي، وعن دعم المجتمع الدولي له بقروض وهبات في المرحلة اللاحقة.
وأوضحت الأوساط نفسها أنّه صحيح أن ليس من شركة نفطية عالمية تتكبّد مشاق عملية الاستكشاف والتنقيب، وتدفع كلفة الحفر في كلّ بئر واحدة أكثر من مئة مليون دولار، لكي تخرج بنتيجة سلبية تقول “لا غاز في المكمن المحفور”، غير أنّه يمكن حصول ذلك، إذا ما مورست ضغوطات سياسية كبيرة عليها. فتتخذ عندئذ قرار تأجيل عملية استخراج الغاز والنفط الى وقت لاحق، مثلما قرّرت “توتال” في البلوكات اللبنانية، سيما أنّ السياسة الدولية ترى أنّه لم يحن وقت طوفان الغاز من البلوكات اللبنانية، الحدودية وغير الحدودية مع “إسرائيل” لكي يبقى يتخبّط في أزماته، ويناشد المجتمع الدولي لمساعدته، والرضوخ بالتالي الى مطالبه ومقترحاته.
والجميع يعلم، على ما أضافت، أنّ عدم وجود غاز أو نفط في بئر معيّنة في مكمن محتمل، لا يعني عدم وجود ثروة نفطية فيه، إنّما تحتاج الشركات الى الحفر في موقع آخر ضمن الحقل نفسه، وعلى العمق المناسب. فثمّة حقول عديدة في العالم لم يُكتشف فيها غاز ونفط بعد عمليات حفر من قبل شركات عديدة، ليتبيّن لاحقاً أنّها تضمّ مخزونا ضخما من الغاز، مثل حقل “ظهر” للغاز الطبيعي في مصر، الذي حفرته 3 شركات ولم تجد شيئاً، الى أن أتت شركة رابعة هي “إيني” الإيطالية وقامت باكتشافه في دلتا النيل، في العام 2015. ووصل إنتاج الغاز فيه في العام 2019 الى 2.1 مليار قدم مكعب يومياً، وهو يُعتبر اليوم من أكبر حقول الغاز في منطقة الشرق الأوسط.
أمّا شركة “توتال” الفرنسية لتي أبلغت وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول انتهاء الحفر في البئر الاستكشافية الأولى في البلوك 9، بعدما وصلت الى عمق 3900 متر تحت قعر البحر، ولم تجد سوى الماء، وفق المعلومات، وقبل أن تصل الى عمق 4200 على ما يجب أن تحفر، فذكّر أداؤها، بحسب الأوساط الديبلوماسية ذاتها، بما حصل معها عندما حفرت البلوك 4 في العام 2020، وخرجت لتُعلن عن عدم اكتشافها للغاز بكميات تجارية، وحملت عدّتها وذهبت قبل أن تُقدّم دراسة مفصّلة عن نتائج عملية الاستكشاف والتنقيب. واليوم، ويا لهول الصدفة، بينما كانت تتوقّع أن يطفو الغاز بكميات ضخمة على سطح الماء اللبنانية، لم تجد سوى الماء، لأنّ قراراً سياسياً تقوده أميركا وفرنسا والدول الأخرى المعنية أرغمها على وقف العمل في حقل “قانا” قبل إنهائه بنحو 20 يوماً، واكتفت بما جرى التوصّل اليه، لا سيما بعد أن اتخذت “إسرائيل” أخيراً قرار وقف العمل في حقل “تمار” المحاذي للحدود اللبنانية الجنوبية.
كما أن احتمال سرقة “إسرائيل” للغاز من حقل “قانا” ليس أمراً مستبعداً، على ما عقّبت الأوساط، ما دامت “إتفاقية ترسيم الحدود البحرية” قد أتاحت لها فرصة شفط الغاز من حقل “كاريش” الملاصق لحقل “قانا” اللبناني من دون حسيب أو رقيب. وتقول انّه لا يمكن بالتالي عدم الربط بين النفط والرئاسة والنازحين السوريين، ما دامت هذه الملفات اللبنانية، ليست بيد اللبنانيين، إنّما “تسيطر” عليها الدول الخارجية التي تُبدي اهتمامها بلبنان لكنّها لا تسعى الى مساعدته للخروج من أي من أزماته هذه. وعلى ما يبدو، لا قرار أميركي- أوروبي حالياً لاكتشاف الغاز والنفط في البلوكات اللبنانية، في موازارة رفض لبنان لما تريد فرضه على الصعيد السياسي والمالي، وعدم قبوله، حكومة وشعباً مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على أراضيه.
فهل تسرّع لبنان في موافقته على التوقيع على اتفاقية الترسيم البحري بينه وبين “إسرائيل” في 27 تشرين الأول الماضي، بعدما نصحه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين آنذاك بذلك ليتسنّى له الاستفادة بعد سنوات من ثروته النفطية بدلاً من أن تبقى مدفونة في أعماق البحار، في الوقت الذي أتاحت فيه هذه الاتفاقية للإسرائيلي شفط كميات الغاز من حقل “كاريش” على مدى سنة كاملة، من دون أن يتعرّض لأي مشكلة؟!