Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب لا مصلحة باستخراج الغاز؟

 

تشكّل الثروة النفطية اللبنانية ثروة حقيقية للبنان وجميع اللبنانيين، ولكن هل من مصلحة الشعب اللبناني ترسيم الحدود واستخراج النفط، في ظلّ سلطة «شفطت» أمواله وأهدرت مدخراته بسبب سياساتها الفاسدة.

ركّز السيد حسن نصرالله في ثلاث إطلالات متتالية على عنوان محدّد، وهو تلويحه بالحرب، في حال لم يُنجز الترسيم قبل نهاية شهر أيلول، ويُعطى الإذن للشركات من أجل استخراج الغاز، معولاً على حاجة أوروبا لغاز المتوسِّط لتعويض الغاز الروسي، فقرّر في هذا التوقيت بالذات الذي يمثِّل حاجة مثلثة للولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، ان يدخل على الخط ليقول: الأمر لي في الترسيم، وأنا المفاوض الفعلي، وإما ان يكون الغاز للجميع أو لن يكون من غاز لأحد.

ويدرك السيد نصرالله، انّ واشنطن تعمل على الترسيم قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، سعياً لإقفال ملف نزاعي بين لبنان وإسرائيل، وبما يسمح للأخيرة من استخراج الغاز والاستفادة منه. وجاءت الحرب الأوكرانية لتزيد القناعة الأميركية بضرورة تسريع الترسيم من أجل التعويض على أوروبا وتعزيز صمودها في هذه الحرب، لمزيد من إلهاء موسكو وإغراقها في الرمال الأوكرانية.

ويعلم أمين عام «حزب الله» انّ واشنطن تقارب الأمور من زاوية براغماتية أكثر منها مبدئية، وما يهمّها هو تحقيق الترسيم بمعزل عمّا إذا كان الحزب مستفيداً منه أم عدمه، كونها تعتبره خطوة استراتيجية تصبّ في مصلحتها ومصلحة تل أبيب، وهو أراد محاكاة الطرفين من منطلق الفريق الذي يلوِّح بالقوة، ولكنه على أتّم الاستعداد لإنجاز التسويات والتفاهمات، وبمعنى من المعاني، انّه بدوره لا يتعامل مع الأمر بمبدئية تامة انطلاقاً من عقيدته بـ»رمي إسرائيل في البحر»، إنما يتعامل أيضاً ببراغماتية على غرار تعامله مع القرار 1701 وحفظ الهدوء والاستقرار على طول الحدود بين البلدين، وهو رسالة للمستقبل بأنّ بابه غير مغلق للتسويات.

والبراغماتية الأميركية تنسحب بقدر أكبر على الأوروبيين وفي طليعتهم باريس، التي لم تقطع أساساً التواصل لا مع طهران ولا مع الحزب، وكيف بالحري في ظلّ حاجتها إلى الغاز ومدخله المتوسِّط، ما يعني انّها لن توفر جهداً ولا وسيلة تسريعاً لإنجاز الترسيم.
وأما إسرائيل، فقد اعتادت على «حزب الله» الذي يصعِّد خطابياً ويلتزم بقواعد الصراع عسكرياً، وهو مضبوط تحت سقف القرار 1701، ولم يحرِّك الجبهة الجنوبية بشكل جدّي على رغم استهدافه المتواصل في مواقعه السورية، وكل همّها حالياً إنجاز الترسيم والاستفادة من عائداته ومن مومنتم الحرب الروسية على أوكرانيا، ولن يضيرها بشيء استفادة لبنان واستطراداً الحزب.

وتزامن دخول السيد نصرالله على خط الترسيم مهدّداً، مع الكلام المفاجئ للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي قال: «إننا على مسافة أسابيع وليس أكثر من تحقيق هدف الترسيم البحري»، وأضاف: «سوف نصل إلى ترسيم الحدود، وهو اقل من حق. هو تسوية تفرضها الظروف الدولية والاقليمية على لبنان».

ويفسِّر موقف إبراهيم أحد أسباب تهديد نصرالله بالحرب، بغية القول انّ سلاح «حزب الله» أدّى إلى الترسيم واستخراج الغاز، وانّ هذا السلاح يشكّل حاجة للبنان ومصدر قوة ضامنة لثرواته، وذلك في محاولة لاستعادة التفاف شعبي لم يعد موجوداً، وأظهرت الانتخابات النيابية انّ مشروعه لم يعد مقبولاً لدى المسيحيين والسنّة والدروز، كما إسقاطاً لمقولة انّ الترسيم يُنهي الصراع مع إسرائيل على خلفية حاجة البلدين المتبادلة للنفط والغاز، خصوصاً انّ الشركات الأجنبية لن تستثمر إلّا بعد تقديم ضمانات بأنّ خيار الحرب لم يعد مطروحاً على الطاولة.

وفي موازاة هدف نصرالله الاستراتيجي في إثباته للأميركيين بأنّه براغماتي وقوة استقرار، من أجل إبقاء سلاحه خارج البحث لدى دوائر القرار الأميركية، فإنّه بالمقابل بحاجة إلى الترسيم واستخراج الغاز لثلاثة أهداف أساسية:

الهدف الأول، ان يُسقط ورقة الانهيار والأزمة المالية كورقة ضغط على دوره وإمساكه بمفاصل الدولة، لأنّ الأزمة أدّت إلى ارتفاع منسوب النقمة الشعبية ضدّه وإضعاف الدولة التي يُمسك بقرارها، كما انّ استفحال الأزمة وإطالة أمدها سيؤديان عاجلاً أم آجلاً إلى سقوط هيكل الدولة وخسارة الحزب لكامل سيطرته على الجغرافيا اللبنانية وانكفائه إلى داخل حدود بيئته المذهبية.

الهدف الثاني، ان يعيد تعويم الواقع اللبناني من الباب النفطي، فيكون فريقه السياسي المتهّم بالانهيار أعاد الاستقرار المالي وأراح اللبنانيين وطوى صفحة الانهيار وانعكاساته، ورفع عن كاهله مسؤولية هذا الانهيار وأعاد تجديد الثقة بدوره كحاكم فعلي للبنان.

الهدف الثالث، أن يفكّ ارتباط لبنان بالعالمين العربي والغربي في ظلّ حاجة البلد إلى المتنفّس الاقتصادي الخليجي وعن طريق صندوق النقد الدولي، حيث انّ الترسيم، بالنسبة إليه، يمنح لبنان الذي يقبع تحت سيطرته، الاكتفاء الذاتي من دون الحاجة إلى المساعدات التي شكّلت وتشكّل نفط لبنان، والتي عندما توقفت دخل في انهيار ما بعده انهيار، ومع استخراج النفط والغاز لن يعود بحاجة إلى تلك المساعدات.

وانطلاقاً من كل ذلك، يعتبر السيد نصرالله انّ الترسيم واستخراج النفط يشكّلان محطة إنقاذية لوضعيته المتهالكة بسبب الأزمة المالية وتراجع شعبيته لدى كل الطوائف وضعف الدولة التي يُمسك بقرارها، والأهم من ذلك، انّ هذه الخطوة تمنحه تفويضاً أميركياً وإسرائيلياً غير مباشر لمواصلة سيطرته على مقاليد الحكم في لبنان.

وبدلاً من أن يكون الترسيم مدخلاً لتسليم «حزب الله» سلاحه للدولة اللبنانية وانتهاء دوره العسكري وقيام سلطة جديدة لا تتأثر بنفوذه ووهج سلاحه وتعيد تصحيح الانقلاب على الدستور وتُمارس السلطة بشفافية ونزاهة وتحقِّق العدالة والمساواة وتوقف الهدر والفساد، سيتحوّل هذا الترسيم إلى فرصة جديدة يلتقط عبرها أنفاسه ويُعيد تجديد وتمديد إمساكه بمفاصل السلطة.

والأخطر، انّ كل ذلك يحصل بتشجيع أميركي وأوروبي وإسرائيلي، وفي ظل نأي الدول الكبرى باهتمامها عن لبنان وانشغالها بأزماتها الداخلية والخارجية مع الأزمة الأوكرانية، وكأنّ «حزب الله» انتزع على طريقة النظام السوري في العام 1990 تفويضاً بحكم لبنان.

وما أهمية الترسيم واستخراج الغاز في ظل سلطة فاسدة ودولة مغيّبة أوصلت لبنان إلى الانهيار والكارثة والجوع، حيث لن يختلف مصير الغاز عن مصير الأموال ومليارات المساعدات التي تبدّدت هدراً وذهب معظمها لتمويل مشروع حربي لا علاقة له بلبنان، والتهريب المفتوح على سوريا لمساعدة نظام متداعٍ، وكأنّ دولة صغيرة باستطاعتها تحمُّل أعباء مشروعي «حزب الله» والنظام السوري، فيما من الأجدى إبقاء هذه الثروة تحت المياه بانتظار سلطة شفافة تطبِّق الدستور، وأولويتها قيام الدولة الفعلية التي تكافح الفساد وتدار من نخبة تُحسن إدارة الدولة؟

ولا يمكن وصف ما يحصل سوى بكونه مؤامرة متجدِّدة على اللبنانيين الذين قدرهم ان يُحكموا من قِبل النظام السوري مقابل انخراطه في عملية السلام والحرب ضد صدام العراق، ومن قِبل النظام الإيراني مقابل الغاز الإسرائيلي وحاجة أميركا للترسيم وأوروبا لهذا الغاز.