تقودنا تجارب السلطة وممارستها طوال السنوات القليلة الماضية، وخصوصاً مع تصاعد الأزمة الراهنة التي يعانيها اللبنانيون، الى تمني تأخير ظهور الغاز والنفط في برّنا وبحرنا الى زمن آخر وظروف أخرى، علّنا نكون قد انجزنا بناء مؤسسات موثوقة تشريعية وتنفيذية وإدارية تتمكن من إدارة ملكية الثروة الجديدة الهابطة او الصاعدة بحيث لا تضيع في جيوب العصابة إياها التي ثار ضدها اللبنانيون، في مشهد مميز، منذ السابع عشر من تشرين الاول الماضي.
وما يصح على الغاز والنفط يصح على القنب الهندي، او الحشيشة، كما يعرفها اصحاب الكار وهواة النوع. فالنبتة التي تذهب بسببها الى السجن اذا فاجأتك وظهرت في حوض زهورك البيروتي، تملأ، منذ زمن طويل سهولاً على مدّ النظر في البقاع العزيز، حيث الإنتاج يتم توزيعه بعد تصنيعه على زواريب وطرقات لا يعرفها الا الضالعون، وحيث نبتة الربيع تصل الى مبتغاها في نهاية الصيف، فتهب “دولةٌ” حريصةٌ على القانون، الى تأدية واجبها في إتلاف الحقول العامرة، فإذا بها تصل في ختام الحصاد، ومع ذلك تتلف الحقل من طريق فلاحته بحيث يصبح جاهزاً للزراعة في الموسم التالي.
قصة تشريع زراعة الحشيشة قديمة كقصة الغاز والنفط، دائماً كان يتقدم من يجتهد في التنقيب او التشريع ليجد ان الفوز للأقوى، أي لإبن المؤسسة الموازية لمؤسسات الدولة. ولذلك تأخر التشريع وتأخر التنقيب. اما العودة اليوم الى تحريك تشريع الحشيش بحماس ملحوظ من رئيس المجلس النيابي، وإطلاق التنقيب عن الغاز بإشراف رئيس الجمهورية، مؤسس التيار الوطني الحر، ففيها من الإشارات ما يكفي للأمل بقدر ما تثير اليأس. لماذا “حركة امل” ستكون الأكثر حماسة لتشريع الحشيشة، ولماذا سيكون “التيار” الأكثر حذاقة بالغوص والتنقيب والحفر؟
المخاوف التي اثيرت في مناسبة إطلاق مشروع البحث عن الغاز والنفط لا تزال قائمة رغم إعداد قوانين ومبادئ ضابطة، ولا يزال المنتقدون يرفعون تجربة الصندوق النروجي في وجه محاولات التلاعب بالثروة الوطنية. اما في مجال الحشيشة فالمخاوف اكبر وأسرع وأكثر الحاحاً. اذ لا تحتاج الزراعة بعد التشريع الى تنقيب، بل ان مجرد الكلام عن التشريع سيطلق، وهو اطلق العنان لسهول الخيال. والمشكلة هنا هي في الدولة والمؤسسات التي ستضبط هذه الزراعة والتجارة، خصوصاً ان لها بنيتها الراسخة، والأخ نوح جاهز ليكون وزيرها بامتياز، ممثلاً شرعياً للثنائي أو مستقلاً عنه!
فعلاً لبنان يكتشف كل يوم كم هي عزيزة وبعيدة هذه الدولة!!