IMLebanon

أنا البيدق والبيدق أنا

 

مرّتان في أقل من أسبوع، خضت كمواطن صالح امتحان الإنتظار: في المرة الأولى أوقفت سيارتي في صفّ منتظم على أوتوستراد غزير، لتعبئة ما يتكرّم به علي آمر الطرمبة الحاكم المطلق بأمر خراطيمه. بعد نصف ساعة من دون أن تتحرك الدواليب نصف متر، ترجلت من سيارتي ومشيت في اتجاه المحطة فوجدت خطاً عسكرياً ملتوياً يوصل السيارات المحظية إلى المغاسل فتأخذ دشاً على السريع وتملأ ريزرفواراتها وتخرج على مرأى من حثالة القوم. “يسواني ما يسوى غيري” قلت بيني وبين نفسي الأبيّة. مرّت ساعة. ساعتان. غابت شمس حق. عتّمت. وأنا خوفي من عتم الليل… بقيت أمامي سبع أو ثماني سيارات وخلفي أكثر من مائة، وجاءني الخبر المفجع بالإنكليزية: Sorry مع إشارة من يدي أحد أعضاء مجلس قيادة المحطة فهمت منها ما فحـواه “بح. نفّقنا. ما بقا في بنزين”. خرجت من الصف وعدتُ إلى بيتي وعلى وجهي أمائر الهزيمة. كأنني راجع لتوي من معركة القنيطرة.

 

المرة الثانية، أو الواقعة الثانية، يوم أمس. صباحاً كانت طوابير السيارات أمام المحطات، من البربارة إلى بلاد جونيه، أطول من صبري بكثير. عدت إلى نفس المحطة التي على تخومها خُذلت. الطابور معقول. ليس أكثر من مائتي سيارة. أخذت مكاني خلف سائق سرفيس ختيار وثرثار. هرع إلي من دون كمامة وفتح نقاشاً رشّاشاً من طرف واحد حول المشكل المستجد بين إيمانويل ماكرون وترامب.علقان برأسه ترامب. لم أشأ أن “أفقسه” فتركته منطلقاً على ما يقدّر الله. إنتظر ردّ فعلي فجاء باهتاً وخارجاً عن سياق النقاش: “الله يهدّي البال”. انتقل إلى انقلاب السودان، وأسف لما آل إليه وضع جعفر النميري. بعد جولة إقليمية ودولية سألته: “من زمان ناطر؟” قبل ما يطلع الضو.

 

ثم انصرف عني، بعدما انصرفت عنه بتصفّح كتاب منسي على المقعد الخلفي. بعد حوالى الساعة، لاحظت أن السائق فتح صندوق سيارته وتناول منه وسادة.

 

هرعت إليه سائلاً بهلع: مأخرين؟

 

أجاب: ناطرين يطلع جدول تركيب الأسعار.

 

يطلعوا ببوز مدفع هاون من عيار 240. طلعتُ من الصف “مشفّطاً”، حانقاً،متوجهاً إلى مركز أوجيرو في الذوق لإنجاز مهمة، أمامي مجموعة صغيرة من المواطنين، بينهم لبناني نموذجي في منتصف العقد الخامس، ممن يعرفون بكل شيء. قدّم إلي موجزاً عن سيرته الذاتية مع لمحة عن الألياف الضوئية وضرورة تعزيز أوجيرو بالعنصر البشري ثم ألقى علي محاضرة بعنوان: نحن بيادق في لعبة كبيرة، وطعن بقانون الإنتخاب وبالأحزاب وبالحركات وأكد لي: “مش رح أعطي صوتي لحدا”. ناداني الموظف لتسليمي الـ”موديم” المبرمج. قبل أن أفلت من الرجل الموسوعي قال لي.: “أنا الدكتور… وأنتَ ما تعرفنا على اسمك”. “البيدق عماد موسى” أجبت.