ليس سهلاً إبداء التفاؤل بدخول لبنان نادي الدول النفطية. ليس سهلاً ما دام «لصوص الهيكل» على حالهم من الشهية المفتوحة، وما داموا لا يجدون رادعاً يحول دون استيلائهم على فلس الأرملة، ويطلبون، وبوقاحة، منها ومن باقي اللبنانيين القبول بكل الموبقات التي يصرون على ارتكابها، من دون أي إجراء لمنع الانهيار.
ليس سهلاً إبداء التفاؤل مع أسئلة يصعب العثور على أجوبتها.
كيف سينتقل الترسيم إلى مرحلة التنفيذ؟ ومن يضمن أن تصب إيراداته في خزينة الدولة، وتحدث مفاعيلها المالية والاقتصادية التي تخفف من معاناة اللبنانيين؟
فكل ما نشهده، عدا التهليل لهذا «الإنجاز التاريخي» هو تصعيد الخلاف السياسي، وتنامي حقول التعطيل المزروعة بألغام مصالح الأطراف المتصارعة على «تركة الحكم»، مع من يصنّف نفسه وريثاً شرعياً للرئاسة ومن يعتبر أنّ دوره قد حان، بعدما أخذ الطرف الآخر فرصته واستنفدها.
أي تنقيب سوف يحصل في ظل دولة مشلولة مؤسساتها، يديرها حزب تديره دولة تفرض إملاءاتها وتتباهى بنفوذها على أربع عواصم عربية؟
من سيعقد الاتفاقات الضرورية للمباشرة في استخراج الثروة النفطية في حال استعصى الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
حكومة أصيلة أم حكومة تصريف أعمال؟ وهل يمكن التوصّل إلى تشكيل حكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي خلال أيام؟؟ وإذا لم يتم التشكيل هل يمكن للبنان تحصيل فوائد يفترض أن يفرج عنها الترسيم؟
التجربة تدل على أنّه من المتوقع أن يسارع «لصوص الهيكل» إلى تطوير أدائهم ليصبحوا لصوص الغاز… فمن حضر السوق باع واشترى، وهم الأبرع في الاتفاق على اللصوصية وعلى الورقة البيضاء في انتخابات رئيس الجمهورية، ما يكرس تضامنهم وقت الحشرة، وصراعاتهم على حساب الناس للاستيلاء على المناصب وافتعال الأزمات وشل البلاد في الوقت ذاته.
من هنا تبدأ فصول جديدة من الحكاية. هي لا تتعلق بعملية الترسيم بحد ذاتها، وبمدى التنازلات التي قدّمها لبنان، وبخسارته لجزء من ثروته لمصلحة إسرائيل وليس لمصلحة فلسطين المحتلة.
من هنا تحتاج الوعود باستثمار الغاز والنفط من الحقول البحرية إلى غير هذه المنظومة.
لكن هل يمكن التفاؤل بذهاب المنظومة في حين أنّ لبنان يقف أكثر من أي وقت مضى عند حافة الهاوية… وينزلق أكثر فأكثر نحو المجهول…
على ماذا سيحصل «حزب الله» بعد الترسيم الذي أرسى ضمانات أمنية واستقراراً بين إسرائيل ولبنان بما يضمن استخراج الغاز وأمان الشركات العاملة في الحقول النفطية على ضفتي الحدود المرسمة؟
ماذا سيفعل «الحزب» بسلاحه بفعل هذا الواقع الجديد؟؟ وبكوادره الأمنية؟؟ وبهيكليته المالية؟؟
ماذا سيعطي الأميركيون «للحزب» مقابل موافقته على سماحه بتنازل الدولة اللبنانية عن حقوقها وتساهلها للوصول إلى الورقة الملتبسة التوصيف بين الوثيقة والاتفاقية والاتفاق والمعاهدة؟؟
ومشروعية هذه الأسئلة تنبع من أنّ لا أحد غير «حزب الله» يمسك حتى اليوم بقرار لبنان وسيادته ومؤسساته.
لذلك لا حوكمة جيّدة ولا قيود تنظيمية فعالة… هناك فقط تراخي منظومة تتولى إدارة مؤسسات الدولة في سياساتها المالية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية وفق دستور الفساد، وتستند في فسادها على تبعية عمياء للحاكم بأمره. فهم مسؤولون فقط أمامه، بعدما قايضوا السيادة بالمناصب والامتيازات والخدمات، ما يجعل التعافي الاقتصادي مستحيلاً مع جهوزية لصوص الغاز، الذين هندسوا كيفية استثماره بما يُشبع شهيتهم إلى خيراته المرتقبة.
ولذلك، يبقى الاحتلال الإيراني على حاله، ويبقى السلاح على انتهاكه الشرعية بحجة فلسفة الردع الفارغة، مدعياً أنّ الصفقة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي أرست التطبيع الاقتصادي والاستقرار الأمني، هي تحرير ثالث…
ولذلك، لا تجد الأسئلة أجوبتها، ولن يجد التفاؤل سبيله إلى معزوفة انضمام لبنان إلى نادي الدول النفطية، إذا لم يستعد سيادته…