هل تتحوّل قصة الغاز في المياه اللبنانية حلم ليلة صيف، بحيث تصبح هناك استحالة لاستخراج الثروة الغازية والنفطية، في المستقبل؟ هذا السؤال مطروح بقوة اليوم، بسبب تأخّر لبنان في أعمال التنقيب، وبسبب غيابه عما يجري في المنطقة، بما سيؤدي الى خريطة جديدة سيكون لبنان خارجها.
ضمّ «منتدى غاز شرق المتوسط» كلّاً من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، أما الدول المعنية وغير المنضوية فيه فهي تركيا والعراق وسوريا ولبنان.
أبرز ما صدر عن المنتدى إقامة شراكات اقتصادية وتجارية بين الدول الأعضاء لاستثمار الثروات الغازية المكتشفة والبنى التحتية بشكل اقتصادي، واستثمار اكتشافات الغاز في شرق المتوسط لإرساء الاستقرار في المنطقة.
وبحسب الخبيرة في إدارة وحوكمة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، تكمن أهمية هذا المنتدى في كونه سيتحوّل الى مؤسسة لتنظيم قطاعي النفط والغاز في المنطقة. وبالنظر الى الدول المشاركة فيه، يتبيّن انّ هذا المحور أساسي لتنظيم قضايا الغاز في الاسواق وفي المنطقة، أكانت محلية ام اقليمية او حتى بالنسبة الى الخارج خصوصاً أوروبا.
أوضحت هايتيان لـ«الجمهورية» انّ لبنان هو من اتخذ قراراً بأن يكون خارج المنتدى بسبب مشاركة إسرائيل فيه ورفضه التَشارك بالغاز معها، لكنها لفتت الى انّ المنتدى ترك باب الانضمام الى هذا المحور مفتوحاً شرط ان تحترم كل الدول الميثاق الذي جرى توقيعه، والذي ينصّ على احترام حقوق كل البلدان على أساس القانون الدولي. ولفتت هايتيان الى انّ هذا الميثاق يعدّ رسالة أولى لتركيا التي تخالف ترسيم الحدود في المنطقة، وتعتدي على الحدود البحرية لبعض الدول والمناطق الاقتصادية الخالصة.
أمّا عن تداعيات عدم انضمام لبنان الى هذه المنظمة فتقول هايتيان: انّ وضعنا بات أصعب، وبتنا خارج المنافسة لأننا تأخرنا على الاكتشافات. واذا تبين لاحقاً انّ لدينا اكتشافاً نفطياً فسيستعمل للحاجات الداخلية للبلد، امّا اذا تبين انّ لدينا اكتشافات تجارية فهنا الصعوبة لأنّ الشركات تعتبر انّ هناك منتدى قائماً لديه بنى تحتية منظمة ومشتركة في المنطقة، وبالتالي لن تقوم ببناء خط أنابيب خاص على نفقتها لنقل غاز لبنان الى أوروبا. وهذا يظهر اننا للأسف بتنا جزيرة معزولة في العالم العربي.
وقالت: لا يزال في إمكاننا الالتحاق بمحور المنتدى، خصوصاً انّ خريطة جديدة تُرسم في المنطقة من الخليج نحو المتوسط ومن المتوسط في اتجاه اوروبا وفي الاتجاه المعاكس من اوروبا نحو آسيا مروراً بالمتوسط. هذا يعني انّ هناك تقارباً خليجياً متوسطياً عبر الاردن واسرائيل ومصر، امّا لبنان فبات خارج هذه الخريطة.
«لقاء» الحدود
من جهة أخرى وفي إطار استكمال اسرائيل السير في اعمال التنقيب عن النفط، اعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية امس عن تقدّم 3 شركات للحصول على ترخيص للتنقيب في بلوك 72 الواقع بالقرب من الحدود البحرية المتنازع عليها مع لبنان، وسيتم الاعلان عن النتائج في الاسابيع المقبلة.
تقول هايتيان انّ هناك اتفاقاً بين لبنان وتوتال ونوفاتك ألّا تتم اية اعمال حفر في المنطقة المتنازَع عليها مع اسرائيل لا بل ان يتم الحفر بعيداً منها، لكن هذا لا يعني انه اذا اكتشف مخزون للغاز في البلوك 9 لن يصل امتداده الى المنطقة المتنازَع عليها او انه قد يكون حقلاً مشتركاً.
وأوضحت هايتيان انّ البلوك 72 غير متداخل مع منطقتنا بحسب الخريطة اللبنانية ووفق الحدود التي يطالب بها لبنان. لكن الملفت في خبر تقدّم 3 شركات للتنقيب في هذا البلوك، ما يتعلّق بهوية الشركات، وهي: شركة energi اليونانية والتي تجري أعمال التنقيب في حقل كاريش على الحدود مع لبنان، فإذا فازت بالتنقيب سيكون عملها امتداداً لحقل كاريش. شركة nobel delek، والملفت انّ شركة chevron الاميركية قامت مؤخراً بشراء هذه الشركة، وبالتالي اذا اعطت الحكومة الاسرائيلية رخصة التنقيب لشركة «نوبل دليك»، فهذا يعني انّ الشركة الاميركية هي من سينقّب على حدود لبنان، في مقابل الشركة الفرنسية توتال من الجانب اللبناني في البلوك 9.
تقرير توتال
من البديهي ان يطرح التأخير في صدور تقرير توتال علامات استفهام عند اللبنانيين، خصوصاً انه قيل انّ التقرير سيصدر خلال مهلة الشهرين ولم يصدر بعد، كما انّ الترويج بأنّ البلوك 4 يحوي على الغاز إنما منع استخراجه لأسباب سياسية يجعل كل هذه التساؤلات محقة، إنما وفق المتابعين فإنّ الاجراءات المتّبعة من اجل الوقاية من كورونا مثل عدم التواجد في المكاتب وحصرية العمل من المنزل، ومن ثم تقسيم مجيء الموظفين الى الشركة وفق مجموعات، أدّى الى التأخر في صدور التقرير.
وأكدت هايتيان انّ التأخر في صدور هذا التقرير لن يغيّر من نتيجة الحفر الذي جرى في بئر واحدة من البلوك رقم 4، موضحة انه جرى حفر بئر واحدة في البلوك 4 وتبيّن انها لا تحوي على الغاز، لكن هذه النتيجة لا تلغي فرضية توفر الغاز في البلوك رقم 4 وربما هو موجود في بئر أخرى، ولتثبيت هذه النظرية يجب حفر بئر أخرى في البلوك نفسه. وعليه، فإنّ التقرير المتوقّع صدوره لن يقول اذا ما كان لدينا غاز او لا إنما سيكشف نتيجة اعمال الحفر التي قامت بها توتال، وستستند إليها لتعلن ما اذا كانت تنوي استكمال التنقيب في البلوك رقم 4 أم لا.