يجتمع مجلس الوزراء اليوم في جلسة ثانية لاستكمال مناقشة ملف الوضع المالي العام في البلد. فهل يمكن أن تنتج عن الجلسة اجراءات عملية للانقاذ؟ والسؤال الأهم هل هناك من يجرؤ على طرح الفكرة الممنوعة من الصرف، أو المقترح الوحيد الذي يؤمّن مداخيل اضافية في ظل استمرار الفساد والعجز على كل المستويات؟
عندما عرض وزير المالية علي حسن خليل تقريره عن وضع المالية العامة للدولة، في الجلسة الاولى المخصصة للملف المالي في 12 تموز الجاري، تحدث عن عناوين تشكّل ثلاثية إلزامية لاصلاح الوضع المالي، ولو بصورة مؤقتة: استقرار سياسي، (انتخاب رئيس من ضمنه)، إقرار الموازنة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
النقطة الثالثة المتعلقة بإقرار «السلسلة» أثارت علامات استفهام، اذ يبدو ان هذا الملف مرشّح لكي يتحول من مطلب شعبي لبعض الفئات، الى مطلب حكومي لخفض العجز وتحاشي الانهيار المالي.
بالنسبة الى البعض، ما طلبه وزير المالية هو العمل على دعم إقرار سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب. والمقصود هنا استعجال إقرار الرسوم والضرائب الجديدة المرافقة لمشروع السلسلة، والتي يؤمل ان تكون كافية ليس لتمويل السلسلة فحسب، بل لتحقيق ايرادات اضافية للخزينة تكون كافية لتأجيل الانهيار الذي تلوح مؤشراته في الافق، رغم الوفر الكبير الذي تحقق في الفاتورة النفطية والذي لا يقل عن مليار دولار سنوياً.
لكن الآمال المعقودة على تحقيق ايرادات ستؤمّنها الضرائب المرافقة لمشروع السلسلة، دونها تعقيدات كثيرة نذكر منها:
اولا- ان إقرار السلسلة مرتبط بالمناخ السياسي الذي قد لا يسمح بعقد جلسة نيابية مخصصة لهذا الملف، قبل انجاز الانتخابات الرئاسية التي تبدو بدورها بلا سقف زمني.
ثانيا – ان الضرائب الواردة في مشروع السلسلة قد لا تعطي المردود المأمول على اعتبار التراجع في الحركة الاقتصادية، وفي حجم الانفاق الشعبي، وفي حجم الضريبة على القيمة المضافة القابلة للاسترداد من قبل السياح. وقد أظهرت الارقام الاحصائية الأخيرة تراجع مردود هذه الضريبة بنسبة 20 في المئة.
في كل الاحوال، عندما استعرض وزير المالية المشكلة، تحدث عن ثلاثة أطر للمواجهة هي: الضرائب، التقشّف، او تكبير حجم الدين العام.
بالنسبة الى تكبير حجم الدين العام، فهو بطبيعة الحال لا يشكل حلا، بل أنه أمر واقع لا يمكن تحاشيه اذا لم تتوفر الحلول. وهو يعني تسريع موعد الانهيار المالي في الفترة المقبلة.
اما موضوع التقشّف فانه مطلوب من حيث المبدأ، خصوصا أن بعض الوزراء لا يزال يعتمد اسلوب الاسراف في الانفاق، على قاعدة ان زيادة الانفاق تسمح بزيادة الهدر والسرقة.
لكن حجم وتقسيم الموازنة لا يتيح هامشا واسعا للتقشّف، على اعتبار ان اكثر من ثلثي الموازنة تستخدم لدفع الرواتب والاجور، وتسديد فوائد الدين العام. وبالتالي، لا يتبقى الكثير للتقشّف، ولا يمكن التعويل على هذا المبدأ فقط لمعالجة أزمة العجز المتفاقم في الموازنة.
أخيراً، يبقى ملف الضرائب، وهو الملف الذي يشبه حكاية ابريق الزيت. وقد ثبُت حتى اليوم، وبالدليل القاطع، ان كل انواع الضرائب المباشرة معرّضة للانتهاك، بحيث ان التهرّب الضريبي هو السمة الطاغية. وبالتالي، لا مناص اذا كانت الضرائب هي الحل – هي ليست كذلك – من اللجؤ الى الضرائب غير المباشرة وفي مقدمها الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، والضريبة على البنزين.
وهنا يبدو ان الجميع مقتنع بأن ضريبة البنزين هي الأسهل والأنجع لجذب الاموال بسرعة الى الخزينة، وسبق ان جرت محاولتان حتى الان لتمرير قرار زيادة الضريبة على صفيحة البنزين خمسة آلاف ليرة. المحاولة الاولى حملت عنوان دعم الخزينة في ظل تراجع اسعار المحروقات، لكن المحاولة أُحبطت. والمحاولة الثانية جرت من خلال الضغط بالنفايات على المواطنين قبل أشهر عدة.
وقد حاول البعض تمرير ضريبة الخمسة آلاف ليرة على الصفيحة بذريعة تمويل نقل النفايات الى الخارج. وكان البعض يأمل ان تنجح هذه المحاولة الابتزازية، على أساس أن ثمن رفع النفايات من الشوارع هو السماح شعبياً بفرض ضريبة الخمسة آلاف ليرة. لكن المحاولة أُحبطت أيضا.
حاليا، هناك من يقول همساً ان محاولة ثالثة ستجري على أساس ان بقية الحلول للوضع المالي لا يمكن تطبيقها بسرعة، ونتائجها ليست مضمونة ومحسوبة بدقة كما هي نتائج الضريبة على البنزين.
ويأمل من يدافع سراً عن هذا الاقتراح، بأن يتمّ تمرير هذه الضريبة تحت مسمّى ضريبة الضرورة، على وزن تشريع الضرورة، وسيتم استخدام الابتزاز من خلال القول ان مسألة قدرة الخزينة على دفع الرواتب باتت مطروحة، ولا بد من تأمين مردود اضافي لضمان قدرة الدولة على دفع مستحقاتها وفي مقدمها أجور موظفيها.