Site icon IMLebanon

تحديات أساس كبرى تواجه المجلس النيابي اللبناني في مجالات استثمار الغاز الطبيعي والنفط من المياه الإقليمية اللبنانية

 

 

أيًّا يَكُنُ المَوْقِفُ مِن مَساراتِ الانْتِخاباتِ النِّيابِيَّةِ اللُّبنانِيَّةِ الأَخيرةِ، قَبُولًا أو تَشْكِيكًا أو حَتَّى رَفضًا لِبَعضها، فَإِنَّ في ما حَصلَ مَطلَعَ الأُسْبُوعِ المَاضي، مِن اجتِماعٍ رَسْمِيٍّ لِلْمَجْلِسِ النِّيابِيِّ الجَديدِ، وانْتِخابِ أَعضائِهِ لِرَئَيسٍ لَهُ ولِهَيْئَةِ مَكتَبٍ المَجْلِسِ، مَا يُؤَكِّدُ ضَرُورَةَ الاهْتِمامِ الجِدِّيِّ والرَّصِينِ والمَسؤُولِ، سِياسِيًّا ووَطَنِيَّا وتارِيخِيَّا، عَن حَقيقةِ إِمْكانيَّاتِ أَعضَاءِ هذا المَجلِسِ ونَواياهُم ورُؤاهُم، تجاهَ واحدٍ مِن أهمِّ التَّحدِّياتِ التي ينتظرُها الوطنُ بِرُمَّتِهِ؛ كما تَرَقُبُ إمكانِيَّاتِ هؤلاءِ النُّوَّابِ، في الوَقْتِ عَيْنِهِ، عُيُونُ قِوىً إقليميَّةٍ ودَوْلِيَّةٍ عَديدَةٍ، مِنها الصَّدِيقَةُ لِلُبنانَ، ومِنْها العَدُوَّةُ، عَبْرَ تَفاعُلِهِم تِجاهَ هَذا التَّحَدِّي ومُعالَجَتِهِم لَهُ.ِ إِنَّهُ تَحَدٍّ وَطَنِيّ وسِياسِيّ، مَحَلِيّ وإقْلِيمِيّ ودَوْلِيّ كَبِير، إِلى دَرَجَةٍ قَلَّ أنَّ واجَهَ لُبنانُ مَا هُوَ بِمْثلِ أَهَمِّيَّتِها وَضرُورَةِ الدِّقَّةِ والبَراعَةِ، معَ الحَذَرِ ووُضُوحِ الرُّؤيَةِ الوَطَنِيَّةِ، في تَكويِن أَساساتِها، ورَفْعِ المداميكِ القانُونِيَّةِ والإدارِيَّةِ والاقتِصادِيَّةِ لِبِنايَتِها، في مَجالاتِ عَيْشِهِ الرَّاهِنِ والامْتِداداتِ المُقْبِلَةِ في الزَّمَنِ لِهَذا العَيْشِ.

ad

أعلنتِ الحُكومَةُ اللُّبنانيَّةُ، بِناءً عَلى ما سّبّقَ تَقريرُهُ في القَرارِ 42، الصَّادِرِ عَن «مَجلِسِ الوزراءِ اللُّبنانيِّ»، بتاريخِ 4/4/2019، أنَّ لُبنانَ سَيُطْلِقُ «دَورةَ التَّراخِيصِ الثَّانيةِ للتَّنقيبِ عنِ النِّفْط والغازِ في المِياهِ البَحريَّة»؛ دَاعِيَةً شَرِكاتِ النَّفط، ذاتِ الاهتِمامِ، إِلى التَّقُّدُمِ بِعُروضِها لِلمزايدةِ، ضِمْنَ هذهِ الدَّورةِ؛ وذلكَ في موعدٍ أقصاهُ 15 حزيران 2022، أي خلال الأيَّام القليلةِ المُقبِلَة. وقد ورد، في هذا القرارِ، تحديدُ أرقامِ «البلوكَّات» موضوعِ المُزايدةِ، وهي 8 من أصلِ 10 «بلوكَّات»؛ إذ سبقَ أنْ جَرَت المُزايدةُ على «البْلُوكَّين» 4 و9 في «دورةِ التَّراخيصِ الأولى». ومن الواضِحِ، والمؤسِفِ، والدَّاعي إلى القلقِ السِّياسي والوطنِيِّ، على حدٍّ سواء؛ والمُوجِبِ، تالِيًا، إلى نهوضِ المجلِسِ النِّيابِيِّ اللُّبنانيِّ المُنْتَخَبِ حديثًا، إلى قبولِ هذا التَّحدِّي الكبيرِ والخطيرِ، أنَّ الموعدَ المُعَيَّنَ، لبنانِيًّا، لِبدءِ هذهِ المزايدةِ، يأتي في وقتٍ لم يتوصَّل فيه لبنان إلى أيِّ اِتِّفاقٍ مع الجهاتِ الدَّولِيَّةِ المعنِيَّةِ بِشؤونِ ترسيمِ حدودِهِ البَحرِيَّةِ مع سُلْطَةِ الكَيانِ الإسرائيليِّ؛ وهذا أمر يُشَكِّل أَسَاسًا قانونِيًّا وإِدارِيًّا واقتِصادِيًّا، لا يمكنُ لأيِّ حكومَةٍ لبنانِيَّةٍ مسؤولةٍ، سوى الاعتمادُ الصَّريحُ والواضِح عليهِ، في رسمِ علاقاتِها وعقدِ اتِّفاقاتِها وتحصيلِ حقوقِها في مجالات استخراجِ هذه الثَّروةِ الكنوزةِ والإفادةِ من خيراتِها استثمارًا وتوظيفًا وحُفظًا؛ وخاصَّة في دقَّة تحديدِ خطواتِها وتعيينِ مصالِحها عبرَ مرحلةِ البدءِ في عمليَّاتِ الاستكشافِ والتَّنقيبِ. سبقَ، في هذا المجالِ، أنَّ حكومةَ الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ، وهي مَن ينشطُ بِشأنِ ترسيمِ الحدودِ البحريَّةِ بين لبنانَ والكيان الإِسرائيلي، بِصِفةِ وسيطٍ في المفاوضاتِ غيرِ المباشرةِ، َأنْ أَمْهَلَت الجانِبَيْنِ إِلى حِينِ انتهاءِ لبنانَ مِن الانشغالِ بالانتخاباتِ النِّيابيةِ، التي انتهَت الأعمالُ فِيها في منتصفِ شهر أيار (ماي) 2022؛ وذلك إفساحًا للتَّوصُّلِ إلى حلٍّ بشأنِ ترسيمِ الحدودِ؛ مُهَدِّدةً بالانسحابِ مِن هذا التَّفاوُضِ، إذا لَمْ يَحصلْ هذا الأمرُ بحلولِ المَوْعِدِ المطروحِ.

تُقَدَّرُ ثروةُ لبنانَ مِن الغازِ الطَّبيعيِّ، الذي تكْتَنِزُهُ مِياهُهُ الإقْلِيِمِيَّةُ، بما يُناهِزُ  96 تريليون قدمٍ مُكَعَّبٍ؛ وهيَ ثروةٌ لها أنْ تَعضُدَ لُبنانَ في مَساعِيهِ الرَّسميَّةِ لِخَفضِ دَيْنِهِ العامّ؛ وَهُوَ الدَّينُ الذي يُعتَبَرُ، حالِيًّا مِنْ قِبِلَ جِهاتٍ مُحاسِبِيَّةٍ دَوْلِيَّةٍ مُراقِبَةٍ، واحِدًا مِن أَعلى أَحجامِ الدَّيْنِ العامَّ في العالَمِ. تَتَفَاوَتُ تَقديراتُ العوائدِ المُتَوَقَّعةِ مِن هذهِ الثَّروةِ لِلغازِ الطَّبيعيِّ والنِّفْط في لبنان، في ما بَيْنَها، بِتباينِ مصادِرِها. لقد أشارت «الوكالةُ الوطنيَّةُ للإعلامِ»، وهي الوكالةُ الرَّسميَّةُ للإعلامِ في لبنانَ، أنَّ هذهِ الثَّروةَ مًرشَّحَةٌ لِأن تتراوحَ بين 300 مِليار دولارٍ أميركيٍّ و960 مليار؛ في أقصى الاحتمالات الظَّاهرة. وَوَردَ، مِن جهةٍ أخرى، في بعضِ التَّحقيقاتِ الصّحفيَّةِ اللُّبنانِيَّةِ، سنة 2017، أنَّه يُتَوَقَّعُ لِهذهِ الثَّروةِ أَنْ تَتَوزَّعَ بينَ حَوالى 165 مِليار دولارٍ أَمِيركِيٍّ للغازِ، و90 مليارِ دولارِ أَمِيركيٍّ للنَّفطِ. وأيًّا كانت حقيقةُ هذهِ الأرقامُ أو مِصداقِيَّتُها التَّقدِيرِيَّةِ أوِ المَوضُوعِيَّةِ، فَإنَّ رقم 200 مِليار دولارٍ أميركِيِّ، وِفاقًا لِعديدٍ مِنَ الدَّارسينَ والمُحَلِّلينَ الأكَّادِيميينِ في مجالاتِ الاقتصادِ، يَعِدُ، بَشَكْلٍ عامٍّ،  بِإمكانٍ لا بَأْسَ بهِ مِنَ الاِسْتِفادَةِ التِّجارِيَّةِ المُجْزِيَةِ، من هذهِ الثَّروةِ.

إِذا ما كانَ لِلُبنانَ الرَّسمِيَّ أنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ القِيامِ بِسَعيِّ وَطَنِيٍّ ودَوْلِيٍّ جِدِيِّ ومُثمِرٍ للإفادةِ مِن هذهِ الثَّروةِ، فإنَّهُ، ووِفاقًا لِمعْظَمِ التَّقديراتِ الأَوَّلِيَّةِ، سَيُصيبُ ما يَنوفُ عَن 5 ملياراتِ دولارٍ أميركِيٍّ سنويًا، على مَدى عِشرينَ سنةٍ؛ كَما سَيَتَمكَّنُ مِن تأمينِ أثمانِ استِيرادِهِ المَحرُوقاتِ للكهرباءِ، والَّتي لا تقلُّ عن 3 مليارات دولار أميركِيِّ سَنَوِيًا. وتَتَّفِقُ هذهِ التَّقديراتُ، أنَّ في هذا جميعِهِ، ما يُسْهِمُ في مُعالَجَةِ ما يُواجِهُهُ هذا البَلدُ مِن أَزمَةٍ مُسْتَشْرِيَةٍ طاحِنَةٍ في الدَّينِ العامِّ، ومِنْ ضِمنِها ما تتحَمَّلُهُ خَزينةُ الدَّولةِ مِن الخَسائِرِ السَّنويَّةِ في خِدمَةِ التَّغْذِيَةِ الكَهربائِيَّةِ، بِما لا يُمْكِنُ الاستهانَةَ بِهِ على الإِطلاقِ؛ فضْلًا عن تحقيقٍ واسِعِ النِّطاقِ في مجالاتِ التَّنميةِ الوطَنِيَّةِ في مختلفِ القطاعاتِ الرَّسميَّةِ والاجتِماعِيَّةِ، لا سِيَّما الصِّحيَّةِ مِنها والتَّعليمَّةِ وكثيرًا مِمَّا تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ البِنى التَّحتيَّةِ.

تُشيرُ آخرُ الأرقامِ المُتدَاوَلُ بِها، حتَّى نِهايةِ سنةِ 2019، حَوْلَ حجمِ الدَّينِ العامِّ للدَّولةِ اللُّبنانِيَّةِ، إلى حَوالى 91 مليار دولارٍ أميركيٍّ؛ أمَّا خدمةُ هذا الدَّينِ، فتبلغُ حوالى 3 مليارات دولارٍ أميركِيٍّ سنويًا. وفي معادلةٍ حسابِيَّةٍ بَسيطةٍ، تستنزف ُخدمةُ الدَّين والكهرباءِ سنوِيًّا، في لبنان، زُهاء الـ6 مليارات دولارات أميركِيِّ، تتوزَّعُ مُناصَفَةً بينَ خِدمَةِ الدَّينِ وكلفةِ تشغيلِ معاملِ الكهرباءِ. لِذا، فإنْ تَمكَّنَ لبنان مِن استخراجِ غازِهِ وتشغيلِ معاملِ الكهرباءَ عليهِ، فإنَّ هذا الرَّقمَ سَيَنْخَفِضّ إلى النِّصف، فضلًا عن تحصيل الدَّولةِ لِعوائدَ تَصِلُ إِلى حوالى 5 مليارات دولارٍ أميركيٍّ سنويًّا، وهذا يَتأتِّى نتيجةً المُتَوَقَّعة من تصديرِ الغازِ والنِّفط. يَفْرُضٌ الواجِبُ الوَطَنِيُّ، ههُنا، الإشارةُ إلى آلِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ للاستفادةِ مِن العوائدِ العتيدَةِ لهذهِ الثَّروة؛ إذْ لها أن تتوزَّعَ على شِقَّينِ أساسينِ؛ أحدهُما، «خِدمةُ سَدادِ الدَّينِ العام»، وثانيهما، «خلقِ استثماراتٍ»، تُسْهِمُ في توريدِ أموالٍ إلى البلاد.

بِما أنَّ حكومةَ الكَيانِ الإسرائيلي بَدأت بفي استخراجِ الغازِ الطَّبيعيِّ، مِن حقولٍ قريبةٍ مِن مناطقَ لبنان البحريَّة، أو رُبَّما هي مناطقُ مُتشابِكَةٌ مَعها؛ فَإنَّ في هذا ما يُوَفِّرُ لِلبنانَ، وِفاقَ مبدأِ المُعامَلَةِ بِالمِثلِ، مجالًا مِنْ حُرِّيَّةِ تطويرِ الدَّولةِ لِمشاريعَ مُماثِلَةٍ على حدودِهِ. غيرَ أَنَّهُ من الهامِّ الانتباه إلى أنَّ القَرارَ التَّنفِذِيَّ لِلعَمَلِ، وإنْ كانَ يَرتَهِنُ بدايَةً على قرارا الحكومةِ اللُّبنانِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَرتَبِطُ، كذلكَ، بقراراِ الشَّرِكاتِ الدَّولِيَّةِ العامِلةِ ضمن «البلوكَّات»؛ وهذا، بِدَوْرِهِ، من الأمورِ التي تَرتَبِطُ، لاحِقًا، بقضايا حَيَوِيَّةٍ مُتَحَرِّكَةٍ، ذات امتِدادتٍ سياسيَّةٍ دَوْلِيَّة، وأخرى ذاتِ علاقةٍ بالطَّبيعَةِ التَّكوينيَّةِ والمكانِيَّةِ لكلِّ «بلوك».

تُحَدِّثُ تَوَقُّعاتُ بعضِ الدِّراساتِ التَّحلِيلِيَّةِ، أنْ يُشَكِّلَ العملُ على استِخراجِ الغازِ الطَّبيعِيِّ والنِّفطِ، مِن المياهِ الإقلِيمِيَّةِ في لبنان، طَاقةً لاِجْتِذابِ عَديدٍ مِنَ الاستثماراتِ القادِرَةِ، بدورها، خِلالَ ثلاثٍ إلى خمسِ سنواتٍ، على خَلْقِ عَديدٍ مِن فُرَصِ العَمَلِ. وثمَّةَ مَن يرى أنَّ في هذا ما سيساعِدُ، كذلكَ، على إِزدهارِ صفقاتٍ ومشاريعَ تجاريَّةٍ موازيةٍ؛ بِما لهُ أنْ يؤَمِّنَ لِلمواطنينَ اللُّبنانيِّينَ ومؤسساتِ الأعمالِ والتَّعهُّداتِ الصَّغيرةِ، المَعنِيَّةِ بِأنشِطَةِ الاستِكشافِ، مِن تصديرِ خُبُراتِهِم إلى أسواقٍ خارِجِيَّةٍ؛ ناهيكَ عن أنَّ لِلصناعاتِ الاستِخراجِيَّةِ والتَّحوِيلِيَّةِ أنْ تفتحَ طريقًا أمامَ لبنانَ، لتثبيتِ مكانَتِهِ على الخَريطةِ العالمِيَّةِ للبِحثِ العِلمِيِّ، في مَجالَي العلومِ الجيولُوجِيَّةِ، وتصميم النَّماذِج الاقتصاديَّة.

تُورِدُ بعضُ المنشوراتِ، عديدًا مِن التَّأثيراتِ الاقتِصادِيَّةِ، غَيْرِ المُباشِرَةِ، التي يُمْكِنُ تَوَقُّعُها في حالِ تَمَكُّنِ لبنانَ مِن النَّجاحِ في استِخراجِ الغازِ الطَّبيعِيِّ والنِّفْط مِن مياهِهِ الإقْلِيمِيَّة؛ ومن أبرزِ التَّأثيراتِ ما يَجِبُ التَّخطيطِ لهُ وتَرَقُّبُهُ مِن إنشاءِ محطَّاتٍ لِتوليدِ الطَّاقةِ الكهربائِيَّةِ بِواسِطَةِ الغاز. إنَّ لِهذهِ المحطَّات أنْ تُوفَّرَ على الخزينة اللُّبنانيَّة مِن 1.5 مليار دولار أميركِيِّ إلى 2 مليار سنوِيُّاً، كما بإمكانِها تأمينُ الاستهلاكَ المَحَلِيِّ من الكهرباء، وفَتْحُ المجالَ لِبِناءِ مصانعَ كهربائيَّةً لإنتاجِ أكثر من 10 آلاف ميغاواط سنوياً؛ وهذا يمكنُ أنْ يؤدِّي، من جهةٍ، إلى إِمكانِيَّةٍ لِبَيْعِ طاقةٍ كهربائيَّةٍ إلى الخارج، ومن جهةٍ أخرى، إلى تأمينِ أكثرَ مِن خمسةِ آلاف إلى سبعة آلاف فرصةِ عملٍ جديدةٍ في هذا القطاعِ وحده. يمكنُ، لِتطويرِ الصِّناعاتِ البِتروكِيميائِيَّةِ، أنْ يفَعِّلَ تأمينِ آلافِ الوظائِفِ لِآمادٍ طويلَةٍ مِن الزَّمَنِ؛ في مجالاتِ الصِّناعةِ البلاستيِكِيَّةِ، ومصانعِ الألومينيوم، ومصانعِ تسييلِ الغازِ؛ إذْ يٌقَدَّرُ أنْ تَصِلَ نسبةُ الوظائفِ التي يَحتاجُ إِليها العملُ في هَذا القِطاعِ، بينَ 8000 و 10000 فرصة عمل؛ كما يُتوقَّعُ مِن مصانِعِ الأسمِدَةِ، التي ينهضُ النِّفطُ مادةً أساسًا لِصناعَاتِها، أنْ تُوَفِّر 1800 فُرصَةَ عَمًلٍ ثابِتَةٍ.

تَنْطَلِقُ مسؤولِيَّةُ الدَّولَةِ، ههُنا، وِفاقَ المنطوقِ الدُّستورِيِّ اللُّبنانِيِّ، عبرَ تلاحُمٍ عضويٍّ بين السّلطاتِ التَّشريعيَّةِ والرَّقابِيَّةِ للِمَجلِسِ النِّيابِيِّ، والصَّلاحِيَّاتِ التَّنفِيذِيَّة المُناطَةِ دستورِيًّا والمَمْنُوحةِ تَشْرِيِعِيًّا للحُكُومَة، بِوَضْعِ تصميمِ نظامٍ ماليٍّ خاصٍّ بالقِطاعِ النِّفطِيِّ. يكونُ مِن أَبْرَزِ المهامِ المُلِحَّةِ لِهذا النِّظامِ، وضعَ الإطارِ الوَطَنِيِّ الاقتصاديِّ لِتَقاسُمِ الثَّروةِ المحتملة مِن استِخراجِ الغازِ الطَّبيعِيِّ والنِّفطِ، من المياهِ الإقلِيمِيَّةِ، بين الدَّولةِ اللُّبنانِيَّةِ والمُسْتَثْمِرينَ، مَعَ مُراعاةِ حُقوقِ الدَّولةِ بِكامِلِها وإلى أقصى حدٍّ. مِن هنا، فإنَّ على هذا النِّظامِ أن يكونَ متجانساً مع الأهدافِ الوَطَنِيَّةِ المَنْشُودَةِ مِنَ الاستِثمارِ في هَذا القِطاعِ؛ ضمنَ رُؤيةٍ اقتِصادِيَّةٍ تَنْمَوِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ؛ تَعتَمِدُ تَطبِيقَ نِظامٍ ضَريبِيٍّ يُطَمْئِنُ المُسْتَثْمِرَ، كَما يَضْمَنُ إِيراداتٍ حُكُومِيَّةٍ مُسْتَقِرَّةٍ قادِرَةٍ على تَأمينِ تَوَقُّعِ النَّفَقاتِ وإِعدادِ المُوازَناتِ؛ ومُتِحَةً، في الوقتِ عَيْنِهِ، استِخدامَ القُدرَةِ التَّفاوُضِيَّةِ للدَّولةِ، للحفاظِ على هذه الثَّروَةِ، وتَحويلِها إِلى أُنْمُوذَجٍ اقْتِصادِيٍّ تَنْمَوِيٍّ.

إنَّ في هذا جَميعِهِ ما يَقتضي، حُكْمًا، تَعزِيزَ الفاعِلِيَّةِ الرَّقابيَّةِ والتَّشْرِيعِيَّةِ لِلْمَجْلِسِ النِّيابِيِّ اللُّبنانيِّ؛ ولَنْ يكونَ هذا التَّعزيزُ سِوى بِقيامِ المَجلِسِ بِسَنِّ التَّشرِيعاتِ اللَّازمَةِ لِحِمايَةِ هَذِهِ الثَّروَةِ وتَحدِيدِ كَيْفِيَّاتِ الِإفادَةِ الوَطَنِيَّةِ لِلْدَّولةِ مِنْها؛ ومِن البِديهيِّ أنَّ هذا لا يَنهض مِن دونِ تَوازٍ مَع الفاعلِيٍّةِ الرَّقابِيَّةِ، الدَّقيقةِ والشَّديدَةِ الشَّفافِيَةِ، مِن قِبَلِ المَجلِسِ النِّيابِيِّ، لِلأَداءِ الحُكوميِّ في هذا المجالِ؛ على أنْ يَعمَدَ المَجْلِسُ إِلى الاستعانةِ باستِشارات عِلمِيَّةٍ مَوْثُوقَةٍ، لِخُبراء ذوي اختصاصٍ عمليٍّ في الشُّؤونِ الاقتصاديَّةِ والماليَّةِ والهندسيَّةِ والإداريَّةِ والحقوقيَّةِ، ذاتِ العلاقةِ بِشؤونِ الاستثمارِ في مجالاتِ الغازِ والنِّفطِ. لا بُدَّ، ههُنا، ولِضمانِ الجُودَةِ الوَطَنِيَّةِ في العَمَلِ، مِن تطبيقِ مبدأ «تعزيز الشَّفافيَةِ في قِطاعِ الغازِ والنِّفط، وتطبيقٍ كامِلٍ لِقانونِ «الحَقِّ في الوُصولِ إلى المعلوماتِ»؛ وخاصَّةً بالاعتمادِ على القانون 84/2018، «تعزيزُ الشَّفافِيَةِ في قطاعِ النِّفط والغاز» والقانون 28/2017 «الحقُّ في الوصولِ إلى المعلومات». ولا بدَّ، كذلكَ، من العملِ على إصدارِ مرسومِ «السِّجِل البِتروليِّ»، على وَجْهِ السُّرعَةِ؛ نَظرًا إلى أنَّهُ أداةٌ عمليَّةٌ لِمكافحةِ الفسادِ وتعزيزِ مبادئِ الشَّفافِيَةِ في قِطاعِ البِترول.

هذا بعضٌ مِنْ مجالاتِ مهامِ استِثْمارِ الغازِ الطَّبِيعِيِّ والنِّفطِ مِنَ المِياهِ الإِقْلِيمِيَّةِ اللُّبنانِيَّةِ، وقد جرى استعراضٌ لكثيرٍ مِنها في عديدٍ لا يمكنُ حصرُهُ مِن الدِّراساتِ والتَّحليلاتِ؛ وهِيَ ذي تحديَّاتٌ أساسٌ كُبرى تُواجِهُ المَجلِسَ النِّيابيَّ اللُّبنانيَّ، فهَلْ مِن مُجِيب؟

كَأَنَّ حالَ اللُّبنانيِّنَ، على اختِلافِ ما بَيْنَهم وتَنَوُّعِهِ، صارَ كَمَنْ يَقُولُ لِلنّوَّابِ جَمِيعَهُم، ما طَالَما كُنَّا نَسْمَعُهُ مِن أَبائِنا، وطالَما كانُوا قَد سَمِعُوهُ مِن آبائِهِم، فَورَ انْتِهاء العُطلَةِ المَدرَسِيَّةِ وضَرُورةِ العَوْدَةِ إلى حلقاتِ الدِّرسِ، «خُلْصِ العِيدِ وفَرحَاتُو، وْرِجِعِ الشِّيِخْ وْعَصَايْتَو»؛ وَبِهَذِهِ المُناسَبَةِ، فَإنَّ هذهِ «العَصا»، لَنْ تُفارِقَ أَيْدي اللُّبنانِيينَ كافَّةً؛ وكَفى بِهذا المَثَلِ، النَّابِعِ مِن أعماقِ التُّراثِ الوَطَنِيِّ الثَّقافِيِّ، مُحَفِّزًا ومُنْذِرًا!

—————-

* رئيس ندوة العمل الوطني