لم تجد يسرى غازاً اليوم، فهو مقطوع بالسعر الرسمي، ومتوفر بالسعر الموازي، طفح كيلها من حدّة الازمات التي تصطدم بها كما الجميع يومياً، حاولت جاهدة الحصول على قارورة بأي سعر، اتصلت بأحد الموزعين الذي ابلغها ان الغاز متوفّر لديه ولكن القارورة بـ85 الف ليرة لبنانية، في حين تباع في بيروت بـ75 الفاً، فاستغربت الامر قبل ان تقول ان النبطية تسجل اعلى نسبة غلاء واعلى نسبة تلاعب في السوق السوداء، فلماذا انقطع الغاز فجأة بالرغم من تأكيد الموزعين ان لديهم مخزوناً يكفي عشرة ايام، وان الازمة صيفاً لن تكون قاسية كما في الشتاء؟
ما كاد قرار نقابة موزعي الغاز التحذيري يصدر حتى ارتفع سعر قارورة الغاز الى الـ85 الف ليرة من دون سابق انذار، بالرغم من أن سعرها ما زال بـ60 الف ليرة، غير أن عدداً من موزعي الغاز يستغلّون الازمة قبل حصولها، متذرّعين بأن المخزون لديهم شارف على الانتهاء، ومعللين سبب رفع السعر لحاجة السوق وقلة العرض، ما يعني أن الغاز الى السوق السوداء در، الى حين رفع الدعم حيث من المتوقع ان تصبح الجرّة بـ160 الف ليرة، وهو ما لفت اليه أحد موزعي الغاز الذي أشار الى وجود تقنين قاس في توزيع الغاز على الموزعين من قبل الشركات التي تعمد الى تهريبه عبر صهاريج، ما ادّى الى نقص في حاجة السوق.
الغاز مقطوع اذاً، وغير متوفر حالياً الا في السوق السوداء، هذا ما اشار اليه سمير الذي ذهب ليشتري قارورة غاز فأتاه الجواب “مقطوع اذا بدك متوفر بـ85 الف ليرة”، ما دفع بالاخير للتعجب “كيف ينقطع الغاز فجأة بالرغم من توفره قبل يوم”؟ وما يثير استغرابه أكثر هو أن الموزعين وجدوا بالامر فرصة لتحقيق ارباح طائلة اسوة بباقي القطاعات.
احد الموزعين يعيد شحّ قوارير الغاز في السوق المحلي الى سببين الاول انهم لم يتسلموا الغاز قبل نهار الاربعاء وفق السعر الجديد، والثاني كوتا التوزيع، بحيث يجري توزيع كميات جد قليلة عليهم، وهو ما أدّى الى هذه الازمة.
لا يخفي عباس، احد موزعي الغاز “ان الازمة لكانت اقسى لو كنا في فصل الشتاء، نظراً لارتفاع الطلب عليه للتدفئة”، غير انه لا يقلّل من حدّتها اليوم، فالحاجة كبيرة أيضاً والكميات المتوفرة لا تسدّها، لافتاً الى أنّ السوق سيشهد فلتاناً في الاسعار الى حين رفع الدعم المتوقع نهاية الشهر الحالي، بحيث ستصبح قاروة الغاز بحدود الـ160 الف ليرة، والى حينه سيعمد كل موزع الى بيع الغاز خارج السعر الرسمي بحجة انه مقطوع.
حاولت سهام العثور على جرّة غاز لمنزلها من دون جدوى، بحثت في معظم محال توزيعه، ووجدت جواباً واحداً “مقطوع واذا بدّك في بـ85 الف ليرة”، وحين سألت عن السبب أتاها الجواب “ما في غاز الشركات ما عم بتسلم”، ما دفعها لعدم الشراء ولو اضطرها الامر لتعدّ طعامها على الحطب، اذ تقول بحرقة “شو بعد ما دخل السوق السوداء، يريدون تركيعنا لنوافق على رفع الدعم من دون اي ردة فعل، فعلاً نجحوا”. واكثر ما يقلق سهام هو أن السوق فلتان لا ضوابط له، وكل تاجر شغّال ع حسابه”.
بدا واضحاً أن الازمة تكبر ككرة الثلج، بعد المازوت جاء الغاز الذي يدخل في العديد من المصالح وليس فقط في الاستخدام المنزلي، ما يعني ان موجة جديدة من الغلاء ستطال المواطن الذي ما زال معاشه ثابتاً على سعر دولار الـ1500 ليرة، وعليه دفع كل الفواتير وِفق سعر دولار السوق السوداء. وعلى سبيل المثال ما سيطاله ارتفاع الغاز هو المنقوشة، لقمة الفقير الصباحية التي حتماً ستغيب هذه المرة كلياً لانه مرجح ان تصل منقوشة الزعتر الى الـ10 آلاف وفق ما قال احد الفرّانين، مسجّلاً عتبه على الدولة التي رفعت كل شيء وابقت على معاشات العمال على حالها.
بعد العتمة الشاملة التي لفّت قرى النبطية بسبب ازمة المازوت المفقود، وتعطّل شبكات الارسال والانترنت وانعزال الناس عن بعضها البعض لساعات طويلة، جاء دور الغاز الذي سيعادل سعره ثلاثة ايام عمل لمياوم بـ30 الف ليرة، ما يعني ان البديل الوحيد المتوفر امام الناس هو العودة الى الحطب، اي الى عصر ما قبل التطور، حيث لا مياه ولا كهرباء ولا اتصالات ولا غاز.
“شو بعد ما جرّبت فينا الدولة”؟ تسأل الحاجة فريال التي تأسف لان يتكرر التاريخ معها، وتعود مجدّداً للطهي على الحطب كما كانت تفعل في صباها، حين كانت تتسلق الوعر “الحرج” لجلب الحطب للطهي والغسيل، اليوم عدنا الى هذا الزمن، مع فرق بسيط اننا في عصر حجري “مودرن”، وما تستغربه هو صمت الناس عما يحصل.