تستمر الحرب على لبنان ويستمر معها مسلسل القتل والدمار والتهجير، فجيش الاحتلال بات لا يتقن إلّا أسلوباً واحداً وقد أعاد بممارساته الدولة العبرية إلى ما قبل نشأتها وأعاد الشعب اليهودي إلى عصور القتل والحروب كسبيل وحيد للبقاء، حتى أن سلالة داوود عادت إلى زمن موسى وشريعة موسى أي ما يُعرف بـ «la loi du talion» أي العين بالعين والسن بالسن، وكأن الدولة العبرية باتت خارج الحضارة وخارج الزمن، فغاب عن ممارساتها القانون الإنساني والقانون المدني، وأصبحت خاضعة بالكامل للمتدينين والتلموديين يؤازرهم جيش احتلال متعطش للبطش والإجرام والدم، وهنا لا بد من استعادة حقبة قديمة من تاريخ اليهود في لبنان حيث كنا نخشى من ممارسات بعضهم وطقوسهم لا سيما أولئك الذين كانو يقيمون في مدينة صيدا وأسواقها القديمة، فكانت الأمهات تحذّر أولادها منهم. فالدولة العبرية لا تمتّ إلى الدولة المدنية الحديثة بصلة وهي دولة دينية بالكامل وهم يتغنّون بالديمقراطية التي يمارسونها بطريقة مجتزأة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الفلسطينيين المقيمين في فلسطين المحتلة لا يتمتعون بأي حق من الحقوق الديمقراطية، فلا هم يتمتعون بالحكم الذاتي والاستقلال ولا هم يتمتعون بالحقوق المتساوية مع اليهود، وما الأقلية العربية التي تتمثل في الكنيست والتي تدخل ضمن القائمة العربية إلّا واجهة بسيطة لديمقراطية مزيفة.
حرب بمنطق الغزوات
فالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة تتسم بمنطق الغزوات أكثر من منطق الحروب، فهم يهاجمون، يغتالون، يدمّرون ويرتكبون المجازر، فلا يرف لهم جفن وهم يقتلون الأطفال والنساء والرضّع بحيث أن عدد الشهداء الفلسطينيين يتجاوز الستين ضحية في اليوم، فمهاجمة النازحين وخيمهم وقصفهم بالحديد والنار باتت الخبز اليومي لجيش الاحتلال. وما يحدث في لبنان اليوم ما هو إلّا نسخة عن حرب غزة والدولة العبرية لا تنقصها الأعذار لتقوم باعتداءاتها التي تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى، ولهم في كل يوم قصة فتارة يدمّرون حيّاً في الضاحية فقط لاستهداف شخص أو مؤسسة، ولم يكن الهجوم على مكاتب القرض الحسن إلّا لتبرير أعمال التدمير الممنهج، وإلّا فما علاقة المكاتب الفارغة الممتدة على وسع الوطن من الجنوب إلى البقاع مروراً ببيروت بالإرهاب وهل يريدون إقناع اللبنانيين أن إعطاء قروض بسيطة تشكّل عمليات إرهابية الهدف منها تمويل الحزب، وطوراً لا يتوانون من مهاجمة العاصمة بيروت والمدنيين فيها بعذر أو بدون عذر.
خطة الجنرالات والترانسفير
لقد أبدع جنرالات إسرائيل برسم الخطط العسكرية لعمليات ليس الهدف منها تدمير العسكر بقدر ما هو تدمير المدنيين، وهل كان الجنرالات بحاجة لاستنباط حلول من كبريات المعاهد العسكرية لارتكاب المجازر؟، التي تؤدي إلى عمليات تهجير واسعة لشعوب بأكملها ومجتمعات يتجاوز عددها المليون نسمة، فبدلاً من وضع هذه الخطط فكان أجدى أن يعودوا إلى تاريخ العصابات الصهيونية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأرجون والهاجاناه وغيرها، التي شكلت نواة الميليشيا الإسرائيلية التي كانت تقوم بالمجازر والفظائع التي ادت إلى تهجير الفلسطينيين في العام 1948.
الاجتياح والتوغل دمار بدون نتيجة
تبدو الأهداف المعلنة لحكومة العدو غير واقعية إن من حيث النتائج أو من حيث المدة الزمنية، فهم يضمرون شيئاً وينفذون شيئاً آخر، فماذا يعني القضاء على حزب لله؟ وماذا يعني تطبيق الـ 1701 معدّلاً بحيث يبتعد الحزب إلى ما بعد بعد الليطاني، فإذا كانت قوات الكوماندوس المعروفة بالرضوان يمكن إبعادها عن الليطاني ولكن ماذا عن جمهور الحزب وبيئته التي تشكّل معظم الطائفة الشيعية؟ وهل المطلوب إبعاد المدنيين؟ هذا هو السؤال المطروح فبحجة إبعاد الحزب يتم إبعاد المدنيين من كل الجنوب وتهجيرهم. وهل إن إسرائيل ستكتفي بتهجير المدنيين وماذا عن الشعار « Badge» الذي يضعه جنود الاحتلال على ذراعهم والذي يمثل خريطة إسرائيل من الفرات إلى النيل؟ طبعاً ستقوم إسرائيل باحتلال كل المناطق إن استطاعت، ويبقى السؤال هل تستطيع؟ وحده الميدان هو الجواب.