IMLebanon

غزّة.. و«الممانعة»

 

علي نون

لا شيء أقرب إلى مفردة النفاق، من صراخ ماكينة الممانعة الإعلامية والسياسية إزاء المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون ضد أهل غزّة في «يوم الأرض»، يوم الجمعة الماضي! ولا شيء أدعى للقنوط من متابعة تلك المطالعات والمواقف والتوصيفات المنسلّة في مجملها من مخزون «الإنسانيات» لتثبيت حكم الإدانة في حق بنيامين نتنياهو والتركيبة الحكومية التي يرأسها منذ سنوات طويلة!

 

طبيعي، وجزء من آليات التفكير والأداء في العقل الجمْعي العربي والإسلامي العام، التدليل الدائم على حجم الجريمة اللاحقة بالفلسطينيين.. وعلى كونها واحدة من غرائب الزمن الراهن، الممتد منذ أواخر الحرب العالمية الثانية، ثمَّ كونها صفوة ازدراء الحقوق البديهية المُفترضة في الطبع والتطّبع عند عموم البشر.. وصفوة الاستبداد المستند إلى القوّة العارية المستندة بدورها إلى نصّ ديني يُبيح القتل ويُشرعنه باعتباره طقساً عبادياً مُنزّلاً!

 

وكان طبيعياً ولا يزال، الانشداه بحجم الظلم ومَدَياته وآلياته وتفاصيله.. ونجاحه! ثم الاندهاش أمام قدرة أصحابه (الإسرائيليين) على تسويقه باعتباره أداءً «عادلاً» ما كان، من دونه، لحلم «أرض الميعاد» أن يتحقّق في «وطن قومي» يلمّ أهل الشتات ويربطهم برباط كياني ملموس موازٍ لرِباطهم الديني المدّعى!

 

كان طبيعياً ولا يزال، افتراض اكتمال مقوّمات العداوة بالإسرائيليين. وكونهم بالبديهة والغريزة والمنطق والشرع ومدوّنات الحقوق والأنسنة، أعداء لا يتمنى أحد جيرتهم! ولا «يمتلك» غيرهم جلّ أسباب الحكم عليهم بأنّهم ألـ«الأعداء».

 

وكان لا بدّ من هذه المقدّمة منعاً للاسترسال، ولجماً للتأويل، وسدّاً لجحور لسانيات تعوّد أصحابها على بخّ السم ووصفه بالعسل المصفّى!.. ثم بعد ذلك، وبناء عليه، يمكن الظنّ ويصحّ الاستنتاج والتأويل والتفسير، والحكم البارد، بأنّ الصارخين من أهل «الممانعة» استنكاراً لجريمة غزّة، هم في حقّ السوريين أكثر إجراماً! وأشدّ بطشاً وظلماً! وأكبر ارتكاباتهم، في كل حال، أنّهم جعلوا المقارنة مُنكسرة لصالح مَنْ يدّعون إدانته واستنكار ممارساته!

 

.. اشتغلوا بدأب وعمق أكيدين، على إعادة تشكيل الوعي العام باتجاهات بعيدة عن «الجريمة الصهيونية الأولى»! وعن شرورها ومخاطرها وضحاياها! ونجحوا في استنساخ التجربة وتطويرها! وتسويق عادية القتل الجماعي والتطهير العرقي والمذهبي المحض! وتفخيخ الانتماء الذاتي المستند إلى النصّ الديني المسلّح! والموجّه إلى الغير بصيغ عدائية نافرة الوضوح وشديدة اللمَعان! وتفوّقوا في الأداء والممارسة والتنفيذ! وفي إلباس الجريمة ثوباً حقوقياً مُطرّزاً بفخامة الادعاءات المنسلّة من قاموس الحلال والحرام! والحق والجور! و«الإرهاب» والاعتدال! و«المقاومة» والاحتلال!

 

.. نجحوا في استنساخ «الفكرة الأولى» عن سلب ما ليس لهم حقّ فيه! وسرقة أحلام الغير، وحقوق الغير، وأرض الغير وبيوت الغير وحيوات الغير! مثلما نجحوا في إشاعة التهتّك، والازدراء بالشرائع المنزّلة والوضعية، وفي تثبيت «ثقافة» الضواري والكواسر حيث كمشة من حديد وبارود توازي جبلاً من الحقّ!

 

وأي نفاق.. أن يدّعي الفاتك بملايين السوريين، التأسّي والحزن والغضب على شهداء «يوم الأرض» من فلسطينيّي غزّة!