IMLebanon

لبنان طوفان الاقصى… ونكبة غزة

 

(التفكير بعقل بارد في القضايا الساخنة) يتطلب القدرة على عدم اسقاط الاحداث الكبرى على الرغبات والطموحات الشخصية، والاحداث الساخنة والدامية التي شاهدناها مع عملية طوفان الاقصى سيكون لها تأثير كبير على الانسان والمكان والزمان في الجوار والمحيط، وما يشهده قطاع غزة يشبه ما شهدته فلسطين التاريخية قبل خمسة وسبعين عاما عشية انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في ١٦ ايار ١٩٤٨ وانطلاق ما عرف بحرب فلسطين او النكبة التي حاول حينها قادة الكيانات الناشئة استخدامها في مصالحهم وطموحاتهم، فكانت النتيجة اهتزاز كل كيانات الجوار الفلسطيني من ١٦ ايار ١٩٤٨ الى ٧ تشرين الاول ٢٠٢٣.

 

بعد خمسة ايام على عملية طوفان الاقصى بادرت اسرائيل الى تشكيل حكومة حرب في ١٢ تشرين الاول ٢٠٢٣  تماما كما فعلت بعد عشرة ايام على بداية حرب فلسطين في ٢٦ ايار ١٩٤٨ بتشكيل جيش الدفاع الاسرائيلي، مما يجعلنا نعتقد اننا امام محاولة صناعة (نكبة غزة ) تحت غطاء التحركات الدولية التضامنية مع اسرائيل والتي ترمي بظلالها على توجهات دول المنطقة المفككة والغير متماسكة منذ احداث ١١ ايلول ٢٠٠١ ، حيث ان الفوضى الخلاقة جعلت الشعوب العربية تعيش في حالة من التيه والنزوح والتشرد مما يضع النظام العربي التقليدي امام تحديات بالغة الصعوبة والتعقيد.

 

الكتابة السياسية اصبحت عملية معقدة لان العقل الفردي عاجز عن استكشاف مدى تاثير اللحظة الراهنة على مستقبل الشعوب والاوطان وفي مقدمتها لبنان، حيث تسود مظاهر الخفة والخواء لدى المكونات السلطوية التي تعيش على الارتجال واوهام الاستفادة من اهوال الحرب في غزة مع توجسات وهلوسات انتقالها الى لبنان، في حين ان ابسط قواعد المسؤولية هو تحديد نظام المخاطر والضرورات الانسانية والوطنية ونحن نشاهد آلاف القتلى ومئات الالاف من المهجرين والنازحين، والسخونة المتدرجة على الحدود اللبنانية تجعلنا نستشعر مدى الخواء السياسي والشغور الرئاسي وتصريف الاعمال الحكومي والشلل التشريعي البرلماني والغيبوبة الشاملة رغم هول المجازر والتهديدات.

 

البحث عن مرجعية وطنية في لبنان عملية عدمية بامتياز  نتيجة عدم وجود تيار سياسي وطني جامع وعابر للطوائف والمناطق ويعمل على تعزيز الشراكة الوطنية الحقيقية، في حين ان المكونات السلطوية الطائفية تغالي في الخطابات والشعارات والادعاءات الوهمية والتي تتقدم عندها الضرورات الطائفية والشخصية على الضرورات الوطنية، مما جعل لبنان في حالة من نقص المناعة الوطنية الدائمة والتي تعتبر من الضرورات البديهيات  في مواجهة تحديات الانفجار الكبير الذي يتهدد اجيال لبنان.

 

لبنان اليوم بدون نخبة وطنية مجردة من المغانم والمكاسب والتذاكي والتشاطر  بعد ان  فقد لبنان كل اسباب القوة والنهوض من نهب المدخرات وقتل القامات الوطنية الى تعطيل المؤسسات بالشغور وتصريف الاعمال وتهجير الطاقات الانتاجية الخلاقة والخبرات من كافة القطاعات، لبنان اليوم بدون نخبة قادرة على ادراك هول مجازر غزة  وقادرة على الاستفادة من دروس نكبة حرب فلسطين عام ٤٨ التي قوضت كل اسباب النجاح والاستقرار في لبنان والمنطقة على مدى خمسة وسبعين عاما، و لبنان اليوم بحاجة الى قامات ومرجعيات روحية وسياسية وفكرية واعلامية قادرة على استيعاب تحولات طوفان الاقصى وتداعيات نكبة غزة  ٢٠٢٣ و تراجيديا الابادة الجماعية التي تكتب بالدم والدمار والتي ستتحكم نتائجها بمستقبل كل اجيال لبنان والمنطقة، وحفظ الله لبنان.