المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، إنما هي اليوم، قولا واحدا: الوقوف الكامل مع فلسطين ولبنان. تشديد الدولتين على هذا الموقف، يجيء في وقت الذروة، يتكامل مع الموقف الأميركي الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي، طالبا بشدّة من رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بضرورة وقف النار، وإنهاء الصراع في غزة وفي لبنان. غير أن هذه الجهود والآمال المعلقة عليها، تضيع في أعمال القصف المتبادل والمتفجر في غزة، والذي أصبح في بيروت و في تل أبيب، على حد سواء.
إسرائيل اليوم تركب رأسها في لبنان إلى أبعد الحدود، توجّه الضربات الصاروخية وتهدم الأبنية، قرب المطار وقرب مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وتهدم بناية بأكملها في مستديرة الطيونة، وتتابع استهدافاتها لمراكز القرض الحسن، حيث تصل إليها، على كافة الأراضي اللبنانية. ولا تستثني، حتى الجيش اللبناني، من رسائلها الدموية، فتوجه إليه الضربات، تماما كما كانت قد وجهتها لقوات اليونيفيل في الناقورة وغيرها.. فلا تنتظر ولو لحظة واحدة، إلّا وتسجل فيها ضربة قوية، في مدن وبلدات الجنوب كافة، بعدما أدرجت مؤخرا مدينة صور على لائحة بنك أهدافها، وبعد أن هدّمت أسواق مدينة النبطية التاريخية، وهجّرت سكانها، ولا تزال تترصد بها.
ووصل هوكشتاين إلى بيروت، قابل الرؤساء والمفاوضين وأهل الشأن. وكانت السفيرة الأميركية، قد حملت أوراقها إلى المرجعيات اللبنانية كلها، وتابعت مواقفها عن كثب. وكان صوت الجميع لها، واحدا: وقف النار هو مطلبنا. وتنفيذ القرار 1701، هو في رأس إهتمام الدولة اللبنانية والمقاومة.
غير أن هوكشتاين، غادر بيروت، دون أن يستطيع تسجيل أي إختراق، لوقف إطلاق النار، لأن العدو الإسرائيلي، لا يزال متمهلا في ذلك، حتى يستكمل بنك أهدافه كلها. وحتى يزيد من عمليات القتل والتدمير، حتى يعقد الحلول، وتصير خارج البلاد، وخارج حدود المعقول.
اللبنانيون يجمعون لأول مرة، على فصل حرب لبنان عن حرب غزة. يريدون تطبيق القرار 1701، فورا. غير أن إسرائيل تظل على موقفها المستجد: الجمع بين الساحتين، في لبنان وغزة. وهذا ما يدفع بلينكن لحثّ نتنياهو، على «إستغلال مقتل السنوار»، لوقف الصراع، وإعطاء فرصة للتفاوض حول مستقبل الساحتين: لبنان وغزة. أما نتنياهو، فيدير أذنه الطرشاء له، ولا يسمعه، ماذا يطلب منه، ولا ماذا يقول.
ودعوة هوكشتاين، تلاقيها «الأونروا» بالترحاب، لأنها تجد ضرورة قصوى، لهدنة «ولو لبضع ساعات»، شمال غزة. وهناك أنباء عن «صفقة مصغرة»، تفعل محادثات هدنة غزة، لأن الأمور فيها صارت خارج طاقة العاملين على التهدئة. غير أن «الحرس الثوري الإيراني»، لا يزال على موقفه من حرب لبنان وحرب غزة. فيهرب إلى الأمام. ولهذا نراه يعلن على الملأ: إنه يتوقع هجوما إسرائيليا. فيلاقيه المسؤول الإيراني المتابع، عراقجي، بأنه لا يستبعد الحرب الشاملة.
وفي هذا الوقت المتدحرج نحو حرب عدوانية مفتوحة، تخطط لها إسرائيل وتكمل استعداداتها لها، نرى هذه الأخيرة، تعلن عن كشف خلية إيرانية خامسة في إسرائيل، فترتفع الأصوات المطالبة عندها، لتنفيذ أحكام الإعدام، على وجه السرعة، بالعملاء والخونة. مما يغريها بتطبيق نموذج غزة في لبنان، لأنه كما ترى، إنما هو أقسى على قلبها.
إسرائيل ماضية في المبالغة في حربها على لبنان، سواء بسواء مع حربها في غزة. لم يعد للبنان أي غطاء خارجي. فهي لم تعد تدير أذنها، لا لفرنسا ولا لأميركا ولا لروسيا. فقد شبّت عن الطوق، في مثل هذه الأوقات الحرجة. وهي تتابع أعمالها التدميرية في لبنان، بطوله وعرضه، ولا تستثني أية بيئة من بيئاته، حتى ولو كانت مدنية بحتة وغير مقاتلة، بحجة أن حزب لله، يهدّد تل أبيب، ويستهدف قتل رئيس الوزراء نتنياهو، فيكون الإصغاء لها شديدا للغاية.
وأخشى ما نخشاه، أن يضحّي نتنياهو بأسراه وبجنوده، فلا يعود يهتم لا لتحرير الأسرى، ولا لحماية جنده، ما دام قد تورّط في القتل والتدمير حتى أذنيه. وهو لا يتردد في القول لجميع رؤساء العالم بكل رعونة وطيش: إنه ذاهب في الحرب الثالثة على لبنان، على نموذج غزة.
* أستاذ في الجامعة اللبنانية