يدرك بنيامين نتانياهو أن «هدنة رمضان» باتت مسألة مصيرية بالنسبة الى الرئيس الأميركي تجو بايدن الذي يرى بأم العين أن استمرار الحرب الهمجية التي يشنها «بيبي» على قطاع غزة أخذت تأكل من أعداد الأميركيين مؤيّدي إعادة انتخابه الى ولاية رئاسية ثانية، لاسيما قسم لا بأس بحجمه من الناخبين من أصول أميركية لاتينية، وقسم وازن من أصول عربية وهم بأكثريتهم الساحقة من المسلمين، الى مجموعات من الأميركيين من أصول أفريقية. وأحد التقارير الذي رُفع الى بايدن، في الأسبوع الماضي، ركّز على هذه المسألة، وأشار بوضوح الى الضرر الذي يُلحقه بالرئيس الأميركي إصرارُ نتانياهو على مواصلة حرب الإبادة على أهالي غزة الذين يحشر الاحتلال نحواً من مليون مواطن منهم في شرنقة خانقة.
وبايدن أخذ يتراجع عن شعار «تستمر الحرب الى أن يتم القضاء على حماس» الى شعار «سنظل نؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
وحتى ما قبل أسبوعين كان السفاح نتانياهو «ينتفض» في وجه بايدن وكأنه هو مَن يسلّح الولايات المتحدة الأميركية، وهو الذي يزودها بأحدث تكنولوجيا الحروب، وهو الذي يُغدق عليها مليارات الدولارات من جيب المكلَّف الصهيوني؟!. فيما يعرف نتانياهو وحتى أصغر صهيوني في فلسطين المحتلة أن العكس صحيح، وأنه ما أن ترفع واشنطن يدها عن الاحتلال حتى تبدأ نهايته تدرّجاً ليبلغ أجله في مهلة زمنية محدودة، يقدّرها أكثر المتفائلين بمصير الكيان العبري، بعقدين من الزمن في أحسن الحالات. طبعاً لا يفوتنا الدور البارز الذي يقدر اللوبي الصهيوني على القيام به في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الوقائع تثبت أن هذا الدور أخذت فاعليته بالضمور أمام الوعي لدى الأقليات الأميركية التي ذكرناها أعلاه، خصوصاً أن تطور وسائط الإعلام العالمية ووصولها الى كل بيت وكل شخص تقريباً قد فتح الأعين ليس فقط على الظلم اللاحق بالفلسطينيين وحسب بل كذلك على كشف حقيقة العدو الصهيوني وجرائمه الهائلة… والمثال القاطع إقدام الجندي الأميركي، قبل أيام، على حرق نفسه حتى الموت، أمام سفارة العدو في واشنطن، فلفظ أنفاسه وهو يهتف لفلسطين.
ومن الواضح أن نتانياهو لن يستطيع أن يواصل ابتزاز تجو بايدن الى الأبد، ولأنه يدرك جيداً هذه الحقيقة راح يصعّد وحشيته على أهالي غزة بمجازر مروّعة، قبيل إعلان الهدنة.