Site icon IMLebanon

«هدنة غزة» المرتقبة محاولات لحماية الاحتلال من تمدّد «الطوفان»

 

كثيرة هي المحاولات الرامية لتحقيق «هدنة» في قطاع غزة، وكثيرة هي المساعي التي تتوزع بين دول عربية وإسلامية من جهة، وأوروبية وأميركية من جهة ثانية. إلّا أن ما يؤشر لإحداث خرق في إطار تحقيق ذلك ما زال بعيداً؛ ولا سيما أن المسودات المتبادلة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة «حماس»، فيها الكثير من نقاط التفاهم، أو على الأقل النقاط الواقعية لتحقيق «هدنة» غير مشروطة. فبعد أكثر من خمسة أشهر على الحرب الدامية، والمجازر والإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال في مدن القطاع، وما يقابلها من صمود أسطوري وقتال شرس يصل إلى حد الإعجاز الذي تسطره المقاومة الفلسطينية، بات يملي على الأطراف المؤثرة، وخاصة تلك الداعمة لحكومة «بنيامين نتنياهو» التي ترى خروج الاحتلال من هذا المأزق أمراً ملحّاً قبل تفكك هيكلية الكيان كدولة مركبة، وسقوط الهيكل على قياداتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

ورغم الحديث عن فصل جبهتي جنوب فلسطين عن شمالها، لم يعد خافياً أن مسار الأمور في الجنوب اللبناني معلّق بشكل عملي بمصير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا سيما بعدما أعلن «حزب الله» على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله بوضوح أن أي حديث عن مفاوضات لا ترجمة له قبل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، وتوافق عليه فصائل المقاومة الفلسطينية.

 

في هذا الإطار، تميل الأنظار إلى ما بات يسمّى بهدنة شهر رمضان، في إشارة إلى الهدنة التي يعمل عليها في غزة لتدخل حيز التنفيذ خلال شهر رمضان، والتي يعتقد الكثير من الوسطاء أنها سترى النور، وإن كانت معالمها لم تنضج بعد.

من هنا ترصد الأوساط المتابعة تبايناً في الرؤية حول الهدنة الرمادية، بفعل عدم وضوح بنودها خاصة لجهة الطرح الإسرائيلي الأقرب إلى التعقيد. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أي في المقلب الآخر، أي في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، والجبهة اللبنانية الجنوبية، لا يبدو الأمر أفضل حالاً، فمع توسيع الاعتداءات الإسرائيلية، وخروجها عن نطاق قواعد الاشتباك في الأيام الأخيرة، والتي باتت تشمل كل المناطق التي يتواجد فيها «حزب الله»، أصبحت هذه القواعد في خبر كان. وقد وصلت قبل أيام إلى البقاع، وتحديداً إلى منطقة بعلبك، في تصعيد خطير للعمليات، ما دفع برئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال «أرولدو لاثارو» لدق جرس الإنذار، متحدّثاً عن «تحوّل مقلق في العمليات على الأرض» حسب تعبيره.

لذلك يأتي الحديث عن انعكاسات هدنة غزة على الواقع اللبناني المشتعل، والتي تتباين حيالها وجهات النظر وتتناقض في مقاربة المشهد الميداني. وهنا قد يكون من الملح السؤال عن ظروف هذه الهدنة، وما إذا كانت جديّة فعلاً، أم أنّها تهدف لإحراج هذا الطرف أو ذاك، كما يحاول البعض الإيحاء؛ علماً أنّ بين المتابعين من يضع كل ما يحكى في هذا الإطار في سياق الحرب النفسية.

لذا، يؤكد المتابعون على مسودات اللقاءات بين وفد حماس والوسطاء بينهم وبين كيان الاحتلال الإسرائيلي: «أن هدنة غزة لم تحسم بعد، حتى يكون بالإمكان الذهاب إلى استنتاجات بشأن انعكاساتها المحتملة، ولو أن الوسطاء الدوليين، يبذلون جهوداً واسعة لتوضع هذه الهدنة موضع التنفيذ مع بداية شهر رمضان على أبعد تقدير».

أمام هذا المشهد، يكثر الحديث عن انعكاسات هذه الهدنة إذا ما تم التوصل إليها، على الساحة اللبنانية، حيث تبرز وجهتا نظر أساسيّتان، تنطلق الأولى من تجارب صفقات التبادل والهدنة السابقة، التي توقّفت بالتوازي معها العمليات على طول الحدود اللبنانية، وقد أوصل «حزب الله» رسائل واضحة إلى الأطراف المعنيّة، بأنّه سيوقف إطلاق النار عند أي هدنة، لكن بشرط أن يوقف الجانب الإسرائيلي بدوره إطلاق النار على الجانب اللبناني.

في مقابل وجهة نظر أخرى، تخشى أن يكون الجانب الإسرائيلي يحضر لتصعيد في لبنان، تزامناً مع هدنة غزة، وذلك لأكثر من سبب، من بينها أنّه سيكون قادراً للتفرغ أكثر للجبهة الشمالية، في ظل ضغوط يتعرض لها من سكان المستوطنات الشمالية الفارين منذ أشهر، بفعل الخوف والرعب الذي بثته المقاومة هناك وسرى مفعوله في العقل الإسرائيلي قبل اللبناني.

وتضيف المصادر: «إن ما يؤشر إلى احتمال شنّ عدوان واسع على لبنان هو محاولة استعادة ما فقده جيش العدو الإسرائيلي من هيبة في حربه على غزة».

فبين الرأي الذي يربط وحدة المسار في ساحات المواجهة، والرأي الذي يفصل بينهما تبقى كل الأسئلة مشرّعة على كل الاحتمالات، وهذا مرتبط بالتأكيد بنجاح هدنة غزة أو فشلها، لذلك يبقى مصير الأمور مرتبطاً بالميدان، هدوءاً كان أم تصعيداً، ليُبنى على الوقائع مقتضاها، هدنة أو لا هدنة.