نجاح تنفيذ أولى الهدن الإنسانية في غزة، وإتمام عملية تبادل الدفعة الأولى من الأسرى، يعتبر مؤشر أولي لخسارة تل أبيب الحرب، وبدء العد العكسي لرحيل نتانياهو وحكومته المتطرفة.
ورغم التصريحات النارية لجنرالات الحرب الإسرائيليين حول العودة للقتال بعد إستعادة الأسرى من «حماس»، فقد بدا واضحاً، أن قرار الحرب ليس في تل أبيب، بقدر ماهو في واشنطن، بين البيت الأبيض والبنتاغون، حيث التواصل بين وزير الدفاع الأميركي أوستن ووزراء «حكومة الحرب» الإسرائيلية، وخاصة رجل أميركا بيني غانتس، مستمر ، ومحوره الحفاظ على الهدنة في غزة حالياً، وعدم التصعيد على الحدود مع لبنان.
الواقع أن الوصول إلى الهدنة الحالية في غزة، أثار موجة إرتياح واسعة في لبنان، على المستويين الرسمي والشعبي، بعد أيام دقيقة من حبس الأنفاس، خاصة في الساعات التي سبقت موعد الهدنة، حيث بلغ التصعيد أوجه على الحدود الجنوبية، ودخول أسلحة إستراتيجية في المواجهات المحتدمة، وقَصَف الطيران الحربي الاسرائيلي عدة قرى وصولاً إلى النبطية، وإستمر في إستهداف الإعلاميين، فضلاً عن القصف الذي طال مجموعة من قيادات حزب الله، بينهم نجل النائب محمد رعد. عمد الحزب ،على أثرها، إلى الرد بقوة، مستخدماً صاروخ «البركان»، وقاصفاً أهدافاً في عمق الكيان الصهيوني.
وفي الوقت الذي كان فيه المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين يشدد في تل أبيب على وقف التصعيد مع لبنان، وعلى أن تشمل الهدنة الحدود الشمالية أيضاً، كان وزير خارجية إيران حسين عبد الأمير اللهيان، يصل بيروت في زيارة مفاجئة، ليعلن تأييد إيران لإتفاقية الهدنة في غزة، والتي يجب أن تشمل الحدود اللبنانية. الأمر الذي أكد مرة أخرى، «التلاقي» الأميركي ــ الإيراني على عدم توسيع رقعة الحرب في المنطقة، رغم محاولات نتانياهو لإشعال الجبهة في لبنان، عله يستطيع إنقاذ مستقبله السياسي، الذي سرّعت عملية « طوفان الأقصى» والحرب في غزة من نهايته الحتمية.
وعلى سيرة «التلاقي» غير المباشر بين واشنطن وطهران، في المفاوضات المستمرة في سلطنة عُمان، فقد وصلت معلومات إلى بيروت عن تفاهمات عربية ــ إقليمية ــ دولية، من خلال دول الخماسية، في أيلول الماضي، وإيران ليست بعيدة عنها، تقضي بتسريع إنتخاب رئيس جمهورية في لبنان، وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ متطلبات الإصلاحات الضرورية، ووضع البلاد على سكة الإنقاذ.
ولكن إندلاع الحرب في غزة أدى إلى تعليق تنفيذ هذه التفاهمات، بإنتظار جلاء غبار الحرب في غزة، فضلاً عن إنشغال دول الخماسية بتطورات الحرب الدرامية، وبمفاوضات الهدنة طوال الأسابيع الماضية.
وعشية سريان الهدنة في القطاع، وصل إلي بيروت موفداً قطرياً، وأُعلن في باريس أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سيزور بيروت بعد غد الاربعاء، وذلك بالتزامن مع تقارير حول إستمرار المشاورات بين أطراف الخماسية، للتوصل إلى «تسوية ما» لإخراج بلد الأرز من نفق أزماته المتراكمة.
ثمة تكتم شديد حول تفاصيل التفاهمات التي تم التوصل إليها في الخارج، پإنتظار نتائج جولتي الموفدين القطري والفرنسي على الأطراف اللبنانية، والوقوف على ردود الفعل السياسية، على ما سيطرحانه في اليومين المقبلين.
ولكن يخشى فريق من اللبنانيين أن لا تكون التفاهمات الخارجية، قد راعت توازنات المعادلة الداخلية في لبنان، وما قد تتضمنه من «صفقة» لصالح المحور الإيراني،
على خلفية المحادثات الخلفية في عُمان، وما تم خلالها من توافق على عدم توسيع حرب غزة، وإبقاء ردود فعل جماعات الممانعة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، تحت السيطرة، وضمن قواعد الإشتباك، مقابل أثمان سياسية «دسمة» في بلدانها.
ورغم أن الظروف مختلفة بين مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي، وبين دور إيران في تهدئة الجبهات المحيطة بالكيان الصهيوني، إلا أن المعطيات والنتائج المتوقعة تثير قلق فريق من اللبنانيين، الذي يخشى أن تتكرر التجربة الأميركية عام ١٩٩١، والتي قضت بإطلاق يد سوريا في لبنان، تحت ستار تنفيذ إتفاق الطائف، بحيث يتم إطلاق يد إيران وحلفائها في لبنان بدءاً من الإنتخابات الرئاسية.
في التجربة السورية، تم إغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض المتفق عليه عربياً ودولياً، وإنتخاب خلفه النائب إلياس الهراوي، وبدعم مباشر من دمشق، التي إستمرت سيطرتها على الوضع اللبناني حتى نيسان ٢٠٠٥، إثر إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
فهل نحن أمام سيناريو أميركي مشابه بنسخة إيرانية.