يبدو المسؤولون الاسرائيليون على تخبطٍ في الموقف من الجواب عن السؤال الآتي: هل تشمل «هدنة غزة» الحدود اللبنانية – الفلسطينية؟ أوساط نتانياهو وجيش الاحتلال لا تجمع على رأي موحد في هذا السياق. الإعلام العبري يكاد أن يتقاطع على أن الهدنة مع حزب الله قائمة فعلاً وإن هي غير معلَنة رسمياً. في المقابل يذهب بعض الإعلاميين المقرّبين من الحزب الى حد القول إن المقاومة الإسلامية في لبنان لا تزعجها الهدنة ولكنها غير ملزَمة بمندرجاتها، وتؤكّد على هذه الخلاصة بأن أبرز عناصر الهدنة بين حركة حماس وحكومة الاحتلال هو تبادل الأسرى، وليس لحزب الله أسرى لدى الكيان الصهيوني. وقد بدا واضحاً من جملة مؤشرات إعلامية مقرّبة من المقاومة أن الحزب هو الذي يقرر متى تكون الهدنة سارية على حدود لبنان الجنوبية ومتى لا تكون، خصوصاً أن منطق الحروب في المواجهات العسكرية لا يقرّ بهدنة من طرف واحد.
عملياً، الهدنة على الجبهة اللبنانية الجنوبية قائمة، سيّان أكانت نتيجة توافق غير مباشر أو لم تكن، بالرغم من خروقات محدودة جدّاً. وفي التقدير أن ليس من مصلحةٍ للعدو (ولا لحزب الله) أن تُخرَق. فالحرب ليست خياراً للحزب في هذه المرحلة، بالرغم من كونه في صلبها، إلّا أنه لم يكن وراء تحديد موعد اندلاعها في ذلك السابع من تشرين الأول الماضي. وأما الكيان الصهيوني فقد أنهكته حرب غزة مراتٍ عديدةً، وليس، أو لم يعد، ذا قدرة على تحقيق أي إنجاز استراتيجي فيها اذا استؤنف القتال. أنهكته وكشفته في اليوم الأول من «طوفان الأقصى»، فإذا بجيشه يقع فريسة الفشل الذريع. وأنهكته وكشفته كذلك في دخوله بعض مناطق غزة بما خسره من قادة عسكريين وضباط ورتباء وعناصر وآليّات وسقوط هيبة ومهابة وأسطورة. كما أنهكته في تداعي ما كان قد تبقى لدى نتانياهو من سطوة على القرار السياسي. وأنهكته أخيراً وليس اخراً بتعاظم النقمة الشعبية عليه، وشعبيته كانت آخذةً في التراجع الى حدٍّ متدرّج حتى من قبل اندلاع القتال، أما اليوم فبات واضحاً أن التراجع يتعاظم الى حدّ توقع خروجه من السلطة وربّما الى دخول السجن… وهذا الواقع يكبر مثل كرة الثلج المتدحرجة.
معلوم أن المساعي الأميركية والأوروبية وبعض الدول العربية ترمي الى تحويل الهدنة من موقتة الى دائمة، وبالرغم من الرفض الإسرائيلي المعلَن، فالمؤشِّرات تذهب الى توقع القبول بالهدنة ليس كرمَ أخلاقٍ لا يتحلى به العدو، إنما للأسباب العديدة التي أوردناها أعلاه دون أن ننسى تعاظم الحراك الشعبي وعويل النساء وارتفاع الأصوات التي تعارض نتانياهو، وقد بلغ البعض حدّ الدعوة علناً، وعبر شاشات التلفزة الى «التخلص» من هذا السفّاح الحقير.